محمد آل الشيخ
هناك قول مأثور قلّ من يطبقه على نفسه، مؤداه: (رحم الله من عرف قدر نفسه). دويلة قطر كما يعرف الجميع أشبه ما تكون بقرية تفتقر إلى كل المقومات التي ترتقي بها إلى الدولة متكاملة الأركان، اللهم إلا الثروة، التي يملك منها القطريون أضعاف ما يحتاجون إليه. لكن حكامها الحاليين قرروا أن يجعلوا من الثروة وسيلة تمكنهم من منافسة الدول المؤثرة التي تقع في منطقتنا، ثم تطور هذا الطموح الفارغ من مضامين الدولة إلى أنهم مولوا كل الحركات (الثورية) في العالم العربي، التي ترفع شعار أن الإسلام هو الحل، ودولة الخلافة هي النموذج الأفضل، وينطلقون من أدبياتها؛ فكما يعرف الجميع، ويقول تاريخ تلك الأمارة المرتمية على ضفاف الخليج العربي أن دويلة قطر كانت طوال تاريخها (تابعة) للأيديولوجية السلفية السعودية، وكان حكام قطر قبل انقلاب الابن على أبيه يُصرحون بذلك، ويعتدّون به، وقد اعتنوا إثباتا لما أقول بطباعة ونشر كتب أئمة الدعوة النجدية، معتبرين أنفسهم جزءا من هذه الدعوة، لذلك فإنك عندما تتحدث مع كبار السن من أهل قطر، قبل أن تجتاحهم ظاهرة (التأخون) لن تجد بيننا وبينهم فرقا في القضايا العقدية، أما بعد انقلاب حمد فإنه عمد أول ما عمد إلى الخروج من العباءة السعودية في مسائل العقيدة، وتمرد على تراث آبائه وأجداده، وأصبحت مناهج التعليم القطري الديني تنحى وبشكل واضح إلى العقيدة الأشعرية، وكان هذا التحول كما يعرف الجميع نتيجة طبيعية إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل التعليم في الدويلة، وأنا هنا لست بصدد تفضيل ذلك المنهج عن المنهج الآخر، لكنني أردت أن أصحح رأي من مازالوا يظنون أننا ودويلة قطر نشترك في ذات العقيدة. وفي تقديري أن حكام قطر السلف منهم أو الخلف لا يدركون ذلك التباين، وليس أدل على ما أقول إلا بناؤهم مسجد باسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- يؤمُّ المصلين فيه أئمة أغلبهم أشاعرة، في حين أن الشيخ وطلبته وتلاميذه يختلفون مع الأشاعرة اختلافات جوهرية، وبالذات في مسألة الأسماء والصفات، لكنهم أرادوا من المسجد وبنائه إيماءات سياسية، ولم يدركوا التباينات العقدية في الموضوع.
الآن تمر قطر بعزلة لم تعرفها في تاريخها، إن كان لها ثمة تاريخ يذكر. والسبب أنها (لم تعرف قدرها)، وتتلاءم مع معطياته وحاولت وماتزال تمارس دورا أكبر منها بكثير، متخطية عوامل التاريخ والجغرافيا، ولأن الانتهازيين يتحلقون دائماً وأبداً على المال، ويشدهم بريقه، فقد زيّنوا لأمير قطر السابق والحالي قبح أعماله، وشجعوه، على نأيه بدويلته عن توجهات محيطها، فاتخذ مكانا قصيا، ظن في البداية أن المال الوفير يغنيه عن افتقاره لغيرها من العوامل السياسية، غير أن القطريين بدؤوا يشعرون فعلا بالاختناق، وضيق العزلة؛ فالقطريون الذين يقابلون سعوديين في الخارج يُسرون لهم أن القرار ليس قرارهم، وأنهم يشعرون بعزلة قاتلة، وهم يتساءلون أيضا إلى أين ستوصلنا هذه العزلة الذي لا يلوح ما يشير إلى نهايتها، ولماذا دويلتهم تعادي الآخرين، وتتدخل في شؤونهم، لكن تساؤلاتهم كما هي تساؤلاتنا تبقى مجرد أصوات دونما إجابة.
إلى اللقاء