عماد المديفر
تتسم الكتابة العلمية في حقل الدراسات الإعلامية بمحددات فريدة، مستمدة من طبيعة هذه الدراسات، ولتميزها بشكل كبير عن غيرها من المجالات البحثية. فهي وإنْ تشاركت في المحددات العامة للكتابة العلمية، كالدقة، والموضوعية، والجدة، والإثراء المعرفي، والمحددات الزمانية والمكانية لمجتمع الدراسة وعينتها، وغيرها من المحددات المشتركة؛ إلا أنها تنفرد بمحددات خاصة، منبثقة من أركان عملية الاتصال ذاتها، سواء أكانت في شكلها الأولي، كما وردت في دراسة أرسطو «فن البلاغة»: مرسل، مستقبل، رسالة. أو في شكلها المطور، حين أضاف إليها علماء الإعلام عنصراً رابعاً تمثّل في الوسيط الناقل للرسالة، وما تلاه من تطوير، إلى أن أضحت ستة عناصر: مرسل، رسالة، وسيط، تشويش، مستقبل، رجع الصدى.
وبالتالي فإن الدراسات الإعلامية تتركّز في: القائم بالاتصال، الرسالة، الوسيلة الناقلة، المتلقي. ولتشكّل هذه العناصر محددات موضوعية مميزة للكتابة العلمية في الدراسات الإعلامية، ينبني عليها اختيار المحدد المنهجي المناسب الذي سيُتَّبع، وما إن كان منهجاً إمبريقياً، أم نوعياً، وما إن كان مسحاً، أم دراسة علاقات متبادلة سببية أو ارتباطية، أومقارنة، أم كانت تطورية تاريخية، وما إلى ذلك. وقد تصنف المحددات الموضوعية للكتابة العلمية في الدراسات الإعلامية بحسب التخصصات الإعلامية، كبحوث الصحافة، وبحوث وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وبحوث الإعلام الرقمي، وبحوث العلاقات العامة. ولكل تخصص من هذه التخصصات منظوره الخاصة لدراسة أيٍ من عناصر العملية الاتصالية، فبحوث الصحافة قد تدرس الرسالة الصحفية بطريقتها، كأن تدرس المقروئية، أو الشكل والتصميم، أو قد تدرس المتلقي، وقرائيته، أو تأثيرات شكل الرسالة أو مضمونها عليه، أو أن تدرس القائم بالاتصال الصحفي، سواء العاملين، أو المؤسسات الصحفية وملكيتها وإدارتها، واقتصادياتها، وعلاقاتها بمجتمعها وبالبيئة من حولها، ونحوه. وكذلك الحال فيما يخص بحوث المرئي والمسموع، كالتعرض وآثاره، أو المضمون، أو قياس حجم الجمهور. أما الإعلام الرقمي؛ فتبرز دراسات الاستخدامات، والمقارنة مع الإعلام التقليدي، ودراسات التأثير. فيما تتميز دراسات العلاقات العامة بالاهتمام بالرأي العام، ودراسات السمعة والصورة، ودراسات عناصر العملية الاتصالية من منظور العلاقات العامة للمنظمة، ومصالحها، وعلاقاتها بجماهيرها.
وعليه يمكن القول بتصنيف تلكم المحددات بحسب التخصصات الإعلامية الأكاديمية، ولتتفرع عنها محددات أكثر دقة، تتمثَّل في عناصر العملية الاتصالية من منظور التخصص الفرعي، إذ دراسة القائم بالاتصال من منظور الصحافة مثلاً، مختلف عنه من منظور العلاقات العامة، أو الإعلام الرقمي. وضمن نطاق هذه المحددات الموضوعية تكمن الكتابة العلمية الإعلامية.