شريفة الشملان
أحاول أن أتابع أخبار العراق، ولكن لا وضوح.. وسائل الإعلام العربية بين صمت وحيرة، الثائرون يملؤون الشوارع في بغداد وذي قار والنجف وغيرها.
منذ أمد طويل ابتُلي العراق بالمصائب الجمة، وسُحبت رجله لحرب مع إيران، وهي حرب احتواء، أخذت أغلب مواردهما، ثم تركت للعراق ديونًا جرته لحروب وويلات؛ فكان الاحتلالان الأمريكي والفارسي.
كانت له قوة عسكرية، بجانبها قوة علمية وثقافية؛ إذ صارت الأمية صفر الموارد كثيرة؛ فهي أرض السواد، حيث مزارع الرز والقمح والشعير، إضافة لما يحويه الشمال العراقي من جمال وموارد جمة، وكانت المصايف العراقية في الشمال قبلة للأغنياء لقضاء أشهر الصيف الحارقة، ويأتي المصطافون بفواكه غريبة ولذيذة، وبأنواع كثيرة من المكسرات، قد لا يعرفها أغلبنا.
النهران الجميلان دجلة والفرات يلتقيان في عناق أبدي على أطراف البصرة فيكوِّنان نهرًا جميلاً واسعًا، إنه شط العرب. ومن هنا بدأت الحكاية.
شط العرب يقع على الحدود العراقية - الإيرانية. ولم تهدأ هذه الحدود طوال التاريخ، ومرت منها حروب قديمة وحديثة.. ولعل العرب جميعًا، والفرس، يذكرون أغلب الأحداث والحروب، وأشهرها الحرب بينهم وبين النعمان بن المنذر قبل الإسلام عام (604 م) بمعركة ذي قار، وقبلها حروب البابليين والفرس، وهي شهيرة عبر التاريخ، وتحتاج لمقالات كثيرة. حتى كان السبي البابلي الأول والثاني لليهود، وكان أن دخلت اليهود عبر بوابة الفتاة الجميلة (إستر) لـ(قورش) ملك الفرس وإمبراطور البلاد القوي، وسلبت لبه، فكانت الجميلة التي جعلت قورس يقوم بهدم مملكة بابل والاستيلاء على كل ما فيها من خزائن ومعابد؛ لذا ما زالت إسرائيل تخلد ذكراه، وما زالت صورتها ترتفع على أكبر مقاهي العالم، وفي كل أرض، تخليدًا لها، بما فيها الأراضي العربية.
إذا ما انتهينا من تلك الحروب الكبيرة، وعدنا لبدايات الفتوحات الإسلامية، كانت حرب القادسية حربًا مدوية، سلبت الفرس الكثير من قوتهم.. بعضهم دخل الإسلام طوعًا وحبًّا. خضعت فارس جميعها للإسلام، وبقي من لم يدخله دافعًا للجزية.
لم تكن المذاهب قد ظهرت؛ كان إسلامًا واحدًا في هذه الفترة، وقوت الثقافة العربية والفارسية، وشهدت عصرًا جميلاً من تلاقح الثقافات، وكانت محصلة جميلة من تزاوج الثقافات ما بين فرس وإغريق وعرب، ومازلنا نذكر بكل خير أولئك الأفذاذ الذين أثروا العلم والأدب، ونستمتع مع أم كلثوم وهي تغني رباعيات الخيام، ويزين بيوت الأغنياء السجاد الأصفهاني والتبريزي. مطابخنا تكاد تكون متشابهة، وكان يمكن ألا تكون هناك حروب وقد وحَّدنا الإسلام، لكن دخلت المذهبية والتعصب من باب، وخرج السلم من الباب الآخر. والبحث يطول، والسلام ينتحر يومًا بعد يوم.
لا بد من عودتي لشط العرب وجانبيه، هذا النهر الجميل الواسع الذي لم أرَ مثله، وقد زرت مختلف الدول. على جهته الشرقية كانت دولة عربية، المفروض أن تكون امتدادًا للعراق، لكنها صارت ضمن إيران، وأُطلق عليها عربستان، وتضم المناطق النفطية، منها عبادان والمحمرة. وقصتها تطول، ويمكن الرجوع للمصادر التاريخية عنها وعن حكامها، وأشهرهم وآخرهم الشيخ خزعل.
كان اتفاق الجزائر لوضع حد للمصادمات بين العراق وإيران، وذلك عام 1969، وكانت العراق تعتبر النهر عربيًّا عراقيًّا خالصًا، لكنها اضطرت للقبول بأن يكون النهر على جهته الثانية إيرانيًّا.
سكن الأمر حتى 22 سبتمبر 1980؛ إذ اشتعلت الحرب لمدة ثماني سنوات، وفقد كلا الطرفين الكثير. وقفت الحرب، وما وقفت الثارات.
فتحت أمريكا الأبواب على مصراعيها للإيرانيين فدخلوا العراق كالفاتحين، يدمرون ما شاء لهم تدميره من عروبة العراق، ومنهم من جاء على ظهور الدبابات الأمريكية. خرجت أمريكا، وأبقت القواعد والمنطقة الخضراء لتحمي سفارتها.
29 إبريل 2003 سقط فيها العراق بيدها، وجعلت الحكم محاصصة، ولعملائها حصص الأسد؛ فكان النهب والسلب وتجويع العراق، وهو ذو الأرض الذهب قاعًا وسطحًا.
ها هو الشعب العراقي يثور ضد الناهبين وضد راكبي المذهبية الدينية ذوي العمائم، ضد إيران وعملائها في كل بقعة منه. وهذا الحشد يضرب الشعب، وإيران تتصدر المشهد، وتنتقم من المتظاهرين السلميين.
فيا أيها الصامتون العرب، شيء من التحرك عبر المنظمات الدولية والحقوقية، ساندوا ثوار العراق حتى لا نجد لنا في كل قطعة أرضًا مستعمرة إيرانية.
كلمة أخيرة: إيران لم تنسَ القادسية، وإن لبست العمائم، وإسرائيل لم تنسَ السبي البابلي الأول والثاني وإن عقدت اتفاقيات صلح هنا وهناك، فكيف ننسى نحن تاريخ لم يمضِ كلمح البصر بسنوات قليلة مرت على احتلال العراق؟