د. خيرية السقاف
الأجساد مسجاة، فيها العينان مغمضتان
الجباه المتغضنة تنبسط كأديم الماء الزلال
الأنوف تنتصب كسيف للتو يخرج من غمده
الأيدي تنسدل كأنما توحي باسترخاء وديع..
الملتفون حول هذه الأجساد في البيوت يبكون بصمت
إنه الفراق، ولكن إلى أين؟!..
إنه المرسول الخفي الذي لا يأتي بموعد
الموت..
فما من دار إلا يطرق بابها، ويلج داخلها، ويأخذ منها..
وتمر لحظات مجيئه وذهابه محملا بمن يحب ساكنيها..
لحظتها يعلو البكاء، ويزدحم الحزن في الصدور، ويخيم الفقد في الفراغ..
ثم، بعد أن يتعود المرء على الانفراد، أو النقصان..
يعود وقد نسي حكمة تلك اللحظة..
إلى أين ذهب الذين كانوا يتحركون، ومن ثم مسجيين بلا أرواحهم؟
إلى أين ذهبوا؟ وعند من نزلوا، ومتى سيكون المآل مآلهم؟!
ولكن بأية حال سيكون المآل؟!..
ليس من اليسير على الأحياء فراق الحبيب، والصديق، والقريب الأليف، والجار الشفيق، والصاحب الولوف..
لكن الأشد صعوبة من فراقهم، هو البقاء بعدهم على الرجاء المنبثق لحظة مغادرتهم فيمن قضى بالفراق..
ذلك الرجاء في عفو الله بالنفس، بأخطائها، بزلاتها، بقصورها، بسهوها، بجهلها، بتفريطها، وعنوتها، بتمردها، بعنفوانها، برغائبها، بشهواتها، بخيريَّتها، بسوئها، بجدها، بهزلها، بقليلها الطارئ، بكثيرها الدائم حتى لحظة المواجهة،
أيبقى الفاقد من الأحياء في يقظة دائمة لفجاءة الموت الذي لا يدري متى يحل به؟!..
فلا يحيد عن ذلك الرجاء، ولا يغفل عنه؟!
إذ من من البشر حين يزور الموت بيته، يأخذ منه العزيز، والقريب، والحبيب، يقيم ما عاش على طهر تلك اللحظات؟..
بكل بعنفوان ذلك الرجاء الذي انفجر في صدره حين الموقف؟،
بوقدة الحس فيه بعجزه حين مواجهة الأجل؟..
إن الموت رسول حكيم، مرشد أمين، طارق يوقظ النائمين..
يجيء في حقيقته بماء اليقين، يغسل به الأحياء لا الميتين..
حين يحضر يطهِّر الأحياء..
فمن يبقى على طهر تلك اللحظات؟!..
ولا يسدر في ملكوت الدنيا، تركض فيه فيتسع فيه الأمل فيها..
بينما الحياة تبدأ مع كل زيارة للموت في دار من سيكونون المغادرين
بعد الذين فقدوا في الطابور!!..
* * *
من إيحاء زائر الموت، ولحظات رجاء..