عبدالعزيز السماري
يقدم المشهد السياسي في العراق مثالاً حيّاً على أن الطائفية تقضي على الأوطان، لأنها تقوم على صراعات الماضي، ونزاعات البشر فيما بينهم في قوالب مقدسة، وقد كانت عودة العراق إلى هذا المستنقع سبباً لخراب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فمبدأ المواطنة أولاً تم تدميره من خلال تقديم الولاء للطائفة، وقد أدى ذلك إلى فقدان الثقة بين المواطنين والحكومة..
هنا مربط الفرس عندما يتحدث الجميع عن أهمية المجتمع المدني وآلياته، وهناك يتضح القصد من تطبيع المفهوم المدني للعلمانية، فالقصد إبعاد الطرح الطائفي للتنمية والوطنية في البلاد، وتحويل المنافسة على المقاعد إلى الأطروحات المدنية وأيهم سيؤدي إلى الوصول إلى حلول مجدية للبطالة والفشل الاقتصادي.
وضع العراق الحالي يختزل أهمية العلمانية لإبعاد الحكم عن الطائفية، والتي تعني استبداد طائفة بالآخرين، كما هو الحال في إيران، وبالتالي تتحول السياسة إلى كراهية وصراع وتصدير للأفكار البغيضة، ولذلك يكون الحل في قانون مدني يفرض المساواة بين المواطنين.
العلمانية لا تعني الإلحاد، لكنها كانت بداية قانون إداري لتوفير إطار لمجتمع ديمقراطي، ولا تسعى إلى تحدي مبادئ أي دين أو معتقد معين، ولا تسعى إلى فرض الإلحاد على أي شخص، لكنها تمنع أن يكون الطرح السياسي والوطني طائفياً، وذلك لضمان المساواة في المجتمع بأسره - في السياسة والتعليم والقانون وفي أماكن أخرى.
في هذا الإطار من حق المتدينين التعبير عن معتقداتهم علانية، لكن للآخرين الذين يعارضون أفكارهم الحق أيضاً في التعبير عن آرائهم، ويعني ذلك أن تتمتع المعتقدات والأفكار والمنظمات الدينية بحماية مميزة من الحق في حرية التعبير، في الديمقراطية يجب أن تكون جميع الأفكار والمعتقدات مفتوحة للمناقشة.
ومن هذا المنطلق لن يجد العراقيون الحل الوطني الأمثل إلا من خلال خروج قانون سياسي يمنع مشاركة الخطاب الطائفي وأحزابه، أو يحد من تدخل المرجعيات الدينية في الطرح السياسي، وهو ما سيؤدي إلى إلغاء تبعية العراق إلى الخارج، وبالتالي يكون الخطاب وطنياً بامتياز.
من أجل وعي سياسي أكثر علينا البحث عن مصطلح آخر غير العلمانية، فقد تلوّثت وتأدلجت بسبب أنظمة العسكرتاريا العربية السابقة، ولعل الأنسب أن يتم تقديم مصطلح المجتمع المدني، ويعني ذلك أن يلتزم الجميع بالقوانين الإدارية المدنية في الطرح السياسي والاقتصادي، على أن تكون الأحزاب المتنافسة قائمة على طرح مدني وأن لا تخفي خلفها مجموعات طائفية كما هو الحال في العراق..
الحكم الطائفي يدمر العلاقات بين الدول المتجاورة، ويجعل منها صيداً سهلاً للخارج، والأخطر من ذلك أن يتم التأثير على الدول المجاورة من أجل أن تحكمها الأقلية الطائفية مثل لبنان واليمن وسوريا، فهل يعتقد هؤلاء أن هذا أمر ممكن في قرن الحريات والآليات المدنية وحقوق الإنسان.