م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. في حالتي الولادة والكتابة فقط يقترن العذاب بالمتعة واللذة بالألم والقنوط بالرجاء.. ففي الحالتين تتكامل الأضداد وتلتقي المفارقات وتتشابك المتنافرات.. ومع اختلاف الحالة ما بين الولادة والكتابة في أن الولادة ألم عضوي عضلي والكتابة معاناة فكرية عقلية.. إلا أن بينهما اختلافات أخرى.. منها أن الكاتب يعيش حالة قلق من أنه لا يجيد شيئاً آخر سوى الكتابة.. وأن الفسحة من الراحة ما بين الكتابة والكتابة قصيرة لا تكاد تكفي لالتقاط الأنفاس أو التلذذ بالإنتاج أو الاستمتاع بالمنتج.
2. المشكلة في الكتابة أنها بالنسبة للكاتب دائماً رديفة القلق.. وليست في تصالح مع العالَم ولا تُشْعر بالرضا.. والمشكلة الأخرى أنها لا تأتي بالحلول.. بل تثير الأسئلة الشائكة وتزيد من تعقيد الأمور في ذهن الكاتب.. وتظل الأسئلة معلقة بلا أجوبة.. فقط هي تؤذي النفس وتشغل البال.. فكل من كتب عن الفقر والمرض والعدل والحقوق مات دون أن يرى شيئاً قد تحقق.. هذا في المجالات الحياتية.. أما القضايا الوجودية كالشيخوخة والموت والحب والفقر ومعنى الحياة والحيرة التي يُحْدِثها الشك.. فذلك باب آخر من المشاكل التي تسببها الكتابة للكاتب.
3. الوجه الآخر لمشكلة الكاتب مع الكتابة أن عمق شقائه يتناسب طردياً مع سعة مداركه واطلاعه في الشأن الذي يكتب عنه.. فكلما زادت معرفته بالأشياء زادت همومه وحيرته.. وتصبح كل حالة إبداع مصحوبة بمنطقة ألم ويأس أو شك أو غضب.. أما المشكلة الثانية التي يعاني منها الكاتب فهي حينما يتعرض إلى حالة جفاف أو خواء قريحته.. فلا يجد ما يكتب.
4. بسبب الكتابة ظل الكاتب عبر التاريخ مشكلة وليس حلاً.. فمنذ أفلاطون الذي طرد الشعراء من جمهوريته والبشر يرون أن الكتابة عمل خطير.. وأن الكُتَّاب كائنات خطيرة تنشر الفوضى وتهيج النفوس وتثير الأسئلة المسكوت عنها.. ثم فرضت السلطتان السياسية والدينية الرقابة على كل ما يُكْتب.. وسنّوا الأنظمة التي تحاسب الكاتب على ما يكتبه.
5. ومع كل مشاكلها فإن للكتابة زاوية مضيئة إيجابية.. فالكاتب يحس بالنشوة حينما ترخي له الكتابة عقالها.. ويشعر بالاندهاش حينما يكتشف مقدار العمق الذي يمكن أن يصل إليه.. ويفاجئ نفسه كيف أنه مشحون بالحياة رغم أنه يشعر باليأس.. أما الخدمة الجليلة التي تقدمها الكتابة للكاتب، فهي أنها تعد متنفساً له يملأ رئتيه بها ثم يزفرها كلمات على الورق.