د. محمد عبدالله العوين
هذا الكتاب النفيس ليس سيرة لمؤلفه فحسب؛ بل تجربة إنسانية عصامية علمية عملية، وتأريخ للحياة الاجتماعية والمعيشية وللعادات والتقاليد في محافظة الزلفي حيث ولد ونشأ الكاتب إلى نيله الابتدائية 1374هـ ، ثم انتقل إلى الرياض ودرس أربعة أشهر في المدرسة التذكارية ثم في مدرسة أخرى تقع على يمين المتجه شمالاً على شارع الوزير مقابل مسجد (الحسي) وأكمل فيها المتوسطة، ثم واصل الثانوية بالمدرسة الليلية؛ لأنه التحق بوظيفة إدارية في وزارة الصحة بعد نيله الكفاءة لحاجته الماسة إلى المال.
وقد كان يعمل منذ أن كان طالبا في الابتدائية بمبسط في سوق الزلفي يبيع فيه ما يرغبه الأطفال، وفي الرياض اشتغل بكتابة المعاريض والشكاوى والرسائل.
وفي عام 1381هـ ابتعث لدراسة الطب في ألمانيا، وانتظم في معهد (غوته) لدراسة اللغة الألمانية، ثم بدأ دراسة الطب بجامعة برلين الحرة (برلين الغربية) ونال شهادتها بتفوق، وحصل بعدها على شهادة دبلوم في أمراض المناطق الحرة، ثم نشط لغته الإنجليزية بالانتظام في معهد متخصص في بريطانيا.
وبعد أن عاد من دراسته 1392هـ عمل في وزارة الصحة طبيباً في مستشفى طلال، ثم عين مديراً للشؤون الصحية بمنطقة القصيم 1393هـ، ثم ابتعث مرة أخرى إلى ألمانيا لنيل الدكتوراه في تخصص الأمراض الباطنية 1394هـ ونالها في طب الباطنة 1400هـ وعاد إلى الوطن طبيباً في مستشفى الشميسي ثم مديراً عاماً للمستشفى 1404هـ مع مزاولته تخصصه في عيادته إلى أن طلب التقاعد المبكر1412هـ، وافتتح عيادته الخاصة التي كبرت واشتهر صاحبها في المملكة ودول الخليج؛ سواء حين كانت في مقرها القديم بطريق الملك عبد الله أو الجديد بشارع التخصصي.
هذا سرد سريع لوقائع هذه السيرة؛ لكن ما تحمله في طياتها وتنقلاتها من مرحلة إلى أخرى أهم بكثير من الحصول على الشهادات والتكليفات العملية؛ فهو لم يكتب عن ذاته ولم يتناول أو يتعمق في تفاصيل حياته الأسرية التي ربما تبادر إلى ذهن القارئ أنها أول ما يعنى بها كاتب يدون سيرة حياته؛ حتى انه غفل أو تناسى قصدا جانبا مهما من حياته العائلية؛ فلم يشر من قريب أو بعيد إلى زواجه وارتباطه بأم طارق إلا عرضاً في سياق عمله مع زميله د. جاسر الحربش في مستشفى طلال في بداية حياتهما العملية بعد عودتهما من ألمانيا 1392هـ، فأشار إلى سهره مناوباً في عيادة الطوارئ على الرغم من أنه كان في شهر العسل.
ولعله حدد غاية هذه السيرة بدءاً أن تكون غير حفية بتفاصيل حياته؛ بل بتفاصيل المجتمع والبيئة التي عاش فيها؛ فدوَّن بلغة بليغة وأسلوب سلس وعرض شيق مشاهد طويت في عالم النسيان من عاداتنا وتقاليدنا وظروفنا المعيشية، وما كتب عنه بتصوير مبدع في الزلفي هو تصوير للمجتمع في معظم مناطق المملكة؛ وإن تمايزت بعض المسميات أو لم تتطابق التفاصيل، فما كتبه سيرة مجتمع لا سيرة شخص... يتبع