م. خالد إبراهيم الحجي
الاحتكار هو اختصاص تاجر واحد أو مجموعةٍ من التجار الذين يعملون كفريقٍ واحدٍ لبيع سلعة أو بضاعةٍ أو تقديم خدمات في بعض المجالات، وإمداد الأسواق بها، ولا يجد المشترون والمحتاجون بديلاً مناسباً لها أو غنى عنها في جميع الأسواق إلا عندهم؛ فيؤدي ذلك إلى تحكمهم في تحديد أسعار السلع والبضائع والخدمات على جميع المستهلكين، وارتفاعها حسب أهوائهم، وتقليص الخيارات المتاحة أمامهم، وإجبارهم على الاحتياج لهم والعودة إليهم لخدمات ما بعد البيع من قطع غيار وإصلاح وصيانة وخلافه.. وعندما يكون هناك عدد من الموردين المتضامنين مع بعضهم في الأسواق الاحتكارية، فإن أقواهم غالباً يتحكم في الآخرين، مثل سوق الألماس في النصف الأول من القرن التاسع عشر الذي يعتبر مثالاً كلاسيكياً للسوق الاحتكاري، فخلال تلك الفترة كانت هناك شركة واحدة تسمى ديبيز تحكمت في نحو (80) في المئة من سوق الألماس في العالم، بدءاً من استخراجه من المناجم إلى صياغته وصقله وصولاً إلى بيعه النهائي للزبائن، وبلغت من القوة أنها أبرمت اتفاقيات مع المنافسين لتبقى متحكمة في رفع سعره دائماً بشكل مصطنع.. وقد تسعى معظم الشركات في الأسواق الاحتكارية إلى الاندماج، والاتحاد أو التضامن مع بعضها البعض لتتقوى ببعضها البعض بما فيه الكفاية، ووضع العراقيل الكثيرة للقضاء على دخول الموردين الجدد، ومنع مزاحمتهم لهم في الأسواق، كما حدث بين شركتي تويوتا ونيسان المهيمنتين على شاحنات الدفع الرباعي المعروفة تجارياً بالشاص في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وإفريقيا، عندما عرقلتا دخول شركة فورد لبيع شاحنات الدفع الرباعي في نفس الأسواق، فقامت الشركتان بوضع تخفيضات هائلة على شاحناتها تجاوزت (15) في المئة من قيمتها، وذلك عندما حاولت شركة فورد دخول هذه الأسواق؛ فتسببت هذه التخفيضات المجزية في فشل خطة فورد التسويقية وخروجها من السوق، وقد وَضَّحت الصور وأظهرت الفديوهات الوثائقية عبر اليوتيوب وقنوات الأخبار الفضائية أن المليشيات المتصارعة دائماً تستخدم شاحنات التويوتا والنيسان لحمل منصات المدافع الرشاشة، وراجمات الصواريخ على أحواضها الخلفية.. ونشاهد مظاهر الاحتكار في أسواق الدول التي يغيب فيها قانون حماية المستهلكين، ومن أوضح مظاهره ومساوئه النقاط التالية:
(1): الاختلال في ميزان العرض والطلب المتمثل في نقص السلع المعروضة مع زيادة الطلب عليها، وحاجة المستهلكين إليها؛ فتحدث أزمات مفاجئة في هذه السلع، كما يحدث غالباً في الأسمنت والحديد وغيرها من المنتجات الأساسية.
(2): ارتفاع الأسعار بشكل دوري ومستمر بدون مبررٍ اقتصادي كما يحدث غالباً في شهر رمضان المبارك وعيد الأضحى.
(3): زيادة تكلفة مكالمات الجوال للدقيقة الواحدة بقدرٍ ملحوظٍ عن تكلفتها الفعلية إقليمياً أو عالمياً التي كشفتها وسائل التكنولوجيا الحديثة؛ لأن البنية التحتية، ومتطلبات التشغيل لتقديم خدمات الجوال تكاد تكون متطابقة في جميع أنحاء دول العالم.. ولذلك شَرَّعت الحكومات المختلفة قوانين مكافحة الاحتكار وحماية المستهلكين لمحاولة القضاء عليه، كما حدث عندما قامت الحكومة الأمريكية في عام 1969م برفع (18) قضية احتكار على شركة الحواسيب والبرمجيات (آي. بي. إم) العملاقة في محكمة نيويورك، فصدر فيها (17) حكماً لصالح الحكومة الأمريكية تدين الشركة، وتثبت الاحتكار عليها؛ فتسببت هذه القضايا في تفكيكها إلى شركتين، إحداهما للبرمجيات الحاسوبية والأخرى للخدمات.. ورغم كثرة الآثار السيئة للاحتكار على المجتمع، إلا أنه يعتبر ضرورة ملحة في الحالتين التاليتين:
(أ): جميع حالات براءات الاختراعات للمنتجات الطبية والأجهزة التكنولوجية المختلفة، لأن حاملي براءات الاختراعات يجب أن يستفيدوا من ميزة بقائهم المزودين الوحيدين لاختراعاتهم الجديدة حتى تنتهي صلاحية براءة اختراعاتهم لتشجيع الابتكارات والتطوير والبحث العلمي.
(ب): بعض الخدمات والمرافق العامة مثل قطاع المياه والكهرباء والنقل العام تقتضي ضرورة وجوده، للحفاظ على أسعار هذه الخدمات والمرافق العامة في متناول جميع المستهلكين، وعندما تسمح الحكومات لإحدى المؤسسات أو الشركات للحصول على هذه الامتيازات؛ فإنها تكون طبيعية ومناسبة، ومفيداً جداً لهذه الخدمات والمرافق العامة التي تخدم المستهلكين، وفي الوقت نفسه تقوم الحكومات بتنظيم عملها بدقة، ومراقبة خدماتها بشدة، والتحكم فيها، والسيطرة عليها في تحديد الأسعار المناسبة للظروف الاقتصادية وتوقيت زيادتها، والموازنة المناسبة بما يضمن حقوق تلك المؤسسات والشركات ويحمي حقوق المستهلكين.
الخلاصة:
إن الغرض الرئيسي من تشريع قوانين حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار هو تعزيز المنافسة وحمايتها، وليس معاقبة الشركات الكبيرة بسبب حجمها أو بسبب نجاحها التجاري.