سمر المقرن
من وقت لآخر أعيش حالة المتعة في تأمل النمل، هذه الحالة بدأت عندي منذ سنوات الطفولة، أتذكّر وقت العصر وأسرتي ما بين وقت الراحة والدراسة، وأنا أقضي وقتاً طويلاً في حديقة المنزل أتأمل النمل، وكنت أبكي عندما يتم رشه بالمبيدات الحشرية، كانت تحركاته تُمثِّل آنذاك في عقل طفولة مجموعة من المحفزات الفكرية بعد التأملات العميقة. ما زلت تلك الطفلة التي تتأمل النمل، الذي نبأنا القرآن الكريم عن إعجازه - سبحانه وتعالى- في خلق النمل، لندخل معاً عالماً سحرياً تنفتح أبوابه عن شوارع وقباب من بلور ودقة في التنظيم والعمل والذكاء الخارق لمخلوقات قد لا يتعدى حجمها 1 مليمتر. وهناك 20 ألف نوع من النمل، وذكر المؤرِّخون أن نملة سيدنا سليمان عليه السلام عندما نبهت قومها بقدوم جيشه استخدمت عشرة أنواع من الخطاب فنادت دون ضوضاء أو إرباك وأمرت ونصت ثم اعتذرت ... إلخ.. وسميت النملة لتنمّلها أي كثرة حركتها وقلة قوائمها. ويعكف العلماء في الخارج على الاقتداء بالنمل في سلوكياتهم المختلفة مثل تنظيم المرور، فالنمل يتحرّك في مجموعات كبيرة تتوجه لمساكنها دون حدوث تصادم أو أي خلل، وبينما تسير النملات الفارغات في الطرق السريعة فإن الأخرى المحمّلة بالغذاء تسير في طريق خاص آخر تماماً، مثلما يحدث في أوروبا عندما يخصصون طرقاً للدراجات وأخرى للسيارات. وأكد العلماء أن ملايين النمل يسير في اتجاهات مختلفة دون أن يصدم بعضه بعضاً وعند عبور حاجز مائي يقوم النمل بعمل جسر لعبور الآخرين ثم يقوم من عبروا فيما بعد بإنقاذ طاقم الجسر أيضاً، واكتشف العلماء أن مخ النملة يحتوي على 250000 خلية عصبية تشبه مخ الإنسان وتعمل أفضل من أي جهاز كمبيوتر في العالم للإرسال والتخاطب وإعطاء الأوامر فيما بينها. وبينما يقتصر دور ذكور النمل على التزاوج فإن باقي المهام الأخرى تقوم بها أنثى النمل مثل تنظيف البيئة وتربية الصغار وإنشاء المستعمرات وزراعة الأرض وتخزين الطعام بمنتهى الدقة، حيث تشطر القابل للإنبات منها حتى لا ينبت أثناء التخزين، وتخزن المواد الرطبة في غرفة والجافة في غرفة أخرى، وهي قادرة على حمل أكثر من وزنها عشرين مرة، وهناك نمل تعمل كالممرضات وأخريات كأجهزة الشرطة تطرد المتطفلين من الحشرات الأخرى وتحفز الكسالى من بني خلقهم، وتضحي بحياتها دفاعاً عن الوطن. ويصل عمر النمل لـ 30 عاماً وهم يؤدون عملهم برضاء تام وتفان وصبر وحب وعطاء ودقة متاهية قد يفتقدها بعض بني البشر في أعمالهم.
عالم النمل مدهش، وفي تأمله بيئة تعليمية ثرية لكثير من معاني الحياة الإيجابية.