عبدالوهاب الفايز
كم سيمتد الاحتلال الإيراني للعراق؟
لا أحد يجزم بتاريخ محدد لاندحار الاحتلال الإيراني، ولكن الشعب العراقي الذي رضع العروبة، وترعرع على عزها، واعيًا وحافظًا لأمجاد تاريخ أمته، وهو الذي ظل في تاريخه الطويل يدحر المحتل بعد المحتل.. هذا الشعب لن يقبل (أغلال ولاية الفقيه)، ويرضى بأن تصادر كرامته بعد أن رأى بلاده تعود إلى التخلف والفقر، وتصبح مرتعًا للمليشيات الإرهابية الإيرانية.
مئات الآلاف من العراقيين، (سنة وشيعة)، ما زالوا يخرجون للشوارع مجازفين بأرواحهم، ينادون بخروج المحتل الإيراني، بعد أن وصلوا إلى مرحلة اليأس من الوضع القائم؛ فلم يعد هناك ما يخسره المواطن العراقي الذي يرى حاله تتدهور كل يوم بينما حكومته عاجزة عن إدارة شؤونها؛ فالمليشيات الإيرانية تتحكم بالوضع الأمني، وتتلقى تعليماتها وتمويلها من إيران، والمرجعيات الدينية الوطنية منها الغائب الخائف من بطش المحتل الإيراني، وفيها (المتآمر) مع المحتل، والراضي بالوضع القائم.
هذا الوضع الذي يمرُّ به العراق الآن يعيد لنا بعض ملامح حقبة تاريخية مظلمة في تاريخ بلاد الرافدين، تلك الحقبة التي احتل فيها البويهيون العراق، وأبقوا خلفاء الدولة العباسية لعقود من الزمن مجرد صورة لحكام مسلوبي الإرادة، لا حول لهم ولا قوه، وتحت تواقيعهم ومراسيمهم كان البويهيون يدمرون البنية السياسية والاقتصادية لدولة الخلافة مواصلين تطلع وحلم البرامكة للقضاء على الدولة العربية.
حكم الملالي في إيران وجد فرصته بعد الاحتلال الأمريكي الذي سلمهم العراق. ويبدو أن هذا التسليم لم يكن مجانيًّا، وبدون ثمن؛ فالمحافظون الجدد كان لهم مشروعهم الذي عُرف لاحقًا بمشروع (الفوضى الخلاقة). هنا أبدع الإيرانيون؛ فالذي يجيده وبتفانٍ وإخلاص هو: الخراب والتدمير؛ لذا أنجزوا المهمة!
المظاهرات في العراق ولبنان، والخراب في سوريا واليمن، نموذج حي للنجاح والتفوق الإيراني في التخريب والتدمير. وهذه الطبيعة المتوحشة للنظام الثوري تم استثمارها لتدمير المنطقة؛ لذا، وحتى لا يواصل النظام الإيراني إشباع شهية التدمير، تتحرك أمريكا الآن لاحتواء توحشه؛ فالشرق الأوسط لا يتحمل المزيد من الخراب!
طبعًا احتواء النظام الإيراني يتوقف على صدق نوايا الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى نجاحها في الانتخابات القادمة. فمن أعضاء الحزب الديمقراطي من نصح النظام الإيراني بإبقاء المشروع النووي عبر المناورات السياسية، وكسب الوقت حتى عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض. هذه الوعود إذا كانت صحيحة فشعوب المنطقة إذن ستكون تحت رحمة مصالح سياسية خاصة جديدة، تنسف كل الذي تم بناؤه بين أمريكا وشعوب المنطقة. إنه مؤشر خطير على سلوك أمريكي عدواني، لا ينفع معه تقديم حُسن الظن وطيب النوايا.
هنا تبرز أهمية وضرورة تدارك الوضع من قِبل الزعامات والقيادات السياسية في المنطقة؛ فمصالح الشعوب لا تدار بالنوايا الحسنة؛ فهذه جربناها مع إيران وثورة الخميني، وكانت المكافأة تلقي ويلات مشروع تصدير الثورة. أيضًا أمريكا خدعتنا بالنوايا الحسنة عندما بشرت بالإطاحة بنظام صدام حسين لتحرير الشعب العراقي، ثم بناء الديمقراطية، وانتهى مشروع الديمقراطية الأمريكي بتسليم العراق لإيران!
مشروع الشراكة الأمريكي الإيراني الذي نشر الفوضى والدمار، وأدى إلى قتل أكثر من مليون إنسان، وتهجير الملايين في العراق وسوريا، لن يغفره التاريخ، ولن تنساه الشعوب المنكوبة. التساهل الأمريكي مع النظام النازي في إيران ما زال مستمرًّا، وهذا يجعل المصداقية الأمريكية في مرحلة اختبارها الأخير، والقيادات السياسية في المنطقة ستكون في موقف حرج مع شعوبها. وهذه الشعوب سوف تطرح السؤال الوجودي: هل أمريكا معنا أم ضدنا؟ الإجابة ستكون فيما تسمع وترى على أرض الواقع، والعراق يقدم خير مثال.
الشعب العراقي سوف تنتصر إرادته، ويطرد المحتل الإيراني، ويتخلص من المتخاذل الأمريكي، ولكن سيجني وطنًا محطمًا، ولكن يبقى الدرس المر: للحرية والكرامة ثمنها الكبير!