علي الخزيم
ليس من البر التقاط صور لإنسان مُسن أو مريض أضناه المرض ولا يملك قراره وعاجز عن التعبير والاعتراض على التصوير بحالته التي لا تسر الغريب قبل القريب والصديق؛ ثم نشر وتبادل تلك الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من قبيل التماس الدعاء للمريض بالشفاء أو حسن الخاتمة، وكل هذا -برأيي- غير مُبَرَّر، فلا نملك الحق بتصوير أي إنسان دون معرفته وإذنه بذلك، ولا يحق لنا أخلاقياً وقانوناً نشر تلك الصور بتلك الأوضاع المحزنة حيث معاناة المرض وكآبة المنظر، وأميل إلى انه يمكن لذوي المريض الذي تم تصويره بتلك الحالة وبدون علمه ورضاه ورغبته محاسبة المصور والناشر؛ ومقاضاتهم عبر القنوات الشرعية والقانونية، إذ إن الأمر يُعَد من تتبع عورات الناس وإشاعتها، والتدخل والتعرض لخصوصيات الآخرين دون مبرر أو عذر مقبول، فالتحجج برجاء الدعوة لهم لا يكون بنشر الصور المؤذية الخادشة للمروءة، المتعدية على الخصوصيات.
يمكن اجتهاداً وليس واجباً أن أردنا استدعاء الدعاء لمريض بالشفاء أن يكون برسالة مكتوبة عبر أي وسيلة متاحة تؤدي الغرض وتُنَوِّه إلى أن حالة المريض المقصود تستدعي منا الدعاء له، وتكون بأسلوب مبسط لا يميل للتهويل والمبالغة وإثارة مخاوف محبيه وأقاربه وإرباكهم وإشغال عقولهم وقلوبهم، فحين نتحدث بهدوء ولطف نترك لهم المجال واسعاً للمتابعة والاستقصاء كلٌّ بطريقته وحسب ظروفه وإمكاناته، فكم رسالة أو صورة أربكت الأسر والمعارف ويتضح فيما بعد أن الأمر أيسر وأبسط مما ورد؛ حيث كانت عبارات الرسالة مندفعة مبالغ فيها، أو ربما تكون الصورة التقطت بوضع يوحي بأن المريض يعاني من أمر خطير وجلل وهو ليس كذلك، وحتى وإن كان نقل الصورة واقعياً والمريض بتلك الحالة المرضية المتأخرة أو الصعبة فليس من اللائق بث صُوَرِه على الملأ وكشف خصوصياته، وتناسى أنه إنسان له كرامته وله كامل الحرية بالاعتراض والاحتجاج على من نقل عنه صورته بتلك الأحوال، وليس من العدل أن نقتنص عجز المريض عن منعنا والتقاط صور له بحالة يرثى لها ثم نستغلها استغلالاً فجَّاً لنَظْهَر أمام ذويه أننا من محبيه ومن يرجو له الخير ويحث على الدعاء له بتلك الصور، فإن كُنَّا نحبه ونخلص له حقاً نكتفي بالدعاء الصادق والتضرع إلى الله سبحانه ليشفيه مما ابتلي به.
اقتحام الخصوصيات قولاً أو فعلاً؛ تصويراً أو نصاً مكتوباً؛ هو تصرف لا إنساني وبعيد عن أخلاقيات حسن التعامل مع الأقارب والمبتلين بالأمراض حتى لو لم نعرفهم، ويتنافى مع قواعد وتشريعات ديننا الحنيف، وكل ما تعارفت عليه الشعوب والمجتمعات، لدينا وحولنا -كأي مجتمع- من العلل الشخصية والأسرية الاجتماعية ما تكفي للانشغال بها عن علل ومصائب الآخرين وما يحيط بهم من مشكلات وأزمات، وقال أحمد شوقي:
(ومن لم يُقِمْ سِتْرًا على غيرِه
يعِشْ مُسْتَباحَ العرضِ مُنْهَتك السِّتر).
وقيل:
(شرُّ الورَى مَن بعيبِ النَّاسِ مُشْتَغلٌ
مثلَ الذُّبابِ يراعي موضعَ العللِ).