د. عبدالرحمن بن حمد السعيد
لا أتذكر على وجه الدقة متى التقيت المرحوم المهندس عبدالعزيز الزامل.. في الغالب فإنني ربما التقيته في بداية السبعينات عندما زرت مدينة لوس أنجلس، حيث كان شقيقي أحمد الحمد السعيد ومعالي الأخ عبدالرحمن السدحان ومعالي الدكتور علي الخلف يدرسون إلى جانب الأخ الدكتور عبدالرحمن الزامل وإخوته ومنهم معالي المهندس عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-. عرفت معاليه واقتربت منه أكثر عندما عدت إلى الوطن أستاذاً في جامعة البترول والمعادن في الظهران وموظفاً في خدمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الرياض..
قلت في عنوان هذا الرثاء إنه يخص مواطناً صالحاً.. ولا أظن أن في هذه الدنيا ما هو أكبر وأجمل من أن يعرف الإنسان بصلاح المواطنة، حيث تختصر هاتان الكلمتان أرقى مراتب العز والشرف والعطاء ...
كثيرة هي مساهمات المهندس عبدالعزيز وعطاءاته في خدمة هذا الوطن.. لكنني استميحكم العذر إذا ما ركّزت في ما بقي من هذا الرثاء على ما أنجزه وأخوته المهندسون والإداريون والعاملون على كل صعيد في قيام هذا العملاق الصناعي - سابك- الذي من حقنا أن نباهي به الدنيا..
أتذكّر أنني كنت منذ عدة سنوات في مجلس ضم عدداً من الإخوة العرب، وكان الحديث -كما هو متوقع - مركزاً على ما تعيشه الأمة العربية من حالة ضعف وتشرذم في عالم تتسابق فيه الأمم وتبدع.. في وسط هذا الحديث الذي ظللته غمامة كثيفة من التشاؤم تقدَّم أحد الإخوة القادم من بلد عربي بعيد عنا بمداخلة حاول من خلالها أن يخفّف من غلواء التشاؤم والمتشائمين.. وكان مما قاله أن بعض البلاد العربية تمكّنت من تحقيق إنجازات طيبة وأشار لبعض ما تحقق هنا وهناك.. لكنه توقف أمام سابك ليس فقط لأنها قد أصبحت عملاقاً عالمياً في مجال البتروكيماويات ولكن لأن من قاموا على بنائها وإدارتها هم في الدرجة الأولى مواطنون سعوديون.. تذكّرت هذا اللقاء وأنا أشاهد الكيانات الصناعية والتجارية الضخمة التي تحققت بفكر وجهود مواطنين سعوديين.. معجزة سابك (ولا أظنني مبالغاً في التوصيف) رواها -رحمه الله- في كتاب اختار له عنواناً جميلاً (إنجاز وطن: بناء صناعة البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية).
ولأن سابك كانت كما اختار -رحمه الله- لعنوان كتابه إنجازاً وطنياً فمن حق من ساهموا في هذا الإنجاز أن نتذكّرهم وأن تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن.. ابتداءً من المغفور له الملك فهد -رحمه الله- الذي أعطى إشارة البدء وسهَّل لقيامها كل صعب.. مروراً بالرمز الوطني الكبير غازي القصيبي -رحمه الله- الذي نفذ بحكمة رغبات قائده ومليكه.. واختار -فأحسن الاختيار- تلك المجموعة الرائعة من القيادات التي باشرت البناء والتأسيس وعلى رأسهم المرحوم المهندس عبدالعزيز الزامل... وقد كان من حسن الطالع حسن الاختيار.. فالمهندسون والإداريون أمثال إبراهيم بن سلمه ود. عبدالعزيز الجربوع والمهندس محمد الماضي وعبدالله النجيدي وناصر السياري وإدريس طيري.. وآخرون كثر لا تحضرني أسمائهم وإن كان الوطن والمواطن مديناً لهم...
اليوم ونحن نودع من عرفنا عنه نزاهة اليد وعفة اللسان.. رأس الحربة في عملية بناء سابك... ماذا تحقق لهذا الوطن من إقامة هذا الصرح العظيم.
دعني أخي القارئ استعرض معك - شاكراً لأخي الحبيب د. عبدالعزيز الجربوع رئيس مجلس إدارة سابك- بعضاً مما تحقق وهو عظيم بكل المقاييس:
1. تحتل سابك المرتبة الثالثة بين عمالقة صناعة البتروكيماويات في العالم.
2. نسبة السعودة في جميع شركات سابك في المملكة العربية السعودية تفوق 98 %.
3. تحقق سابك في مراكزها العلمية المنتشرة حول العالم براءتي اختراع كل ثلاثة أيام.
أنجز منها حتى الآن ما يفوق ثلاثة عشر ألف براءة.. تُدار هذه البراءات وتنتج من قبل 1400 عالم وعامل في 21 مركزاً علمياً.
في كل واحدة من هذه الثلاث ووراءها قصة تستحق أن تتذكّرها وتتمثّلها أجيال لم ير النور بعضها بعد.
في الثالث من شهر أغسطس الماضي التقيت الأخ الحبيب أبا أسامة في لندن.. كان متفائلاً.. مبتسماً.. لماحاً... يعمر قلبه إيمان كبير بالله ثم بهذا الوطن...
وعندما بعثت له في السادس من شهر سبتمبر رسالة حول كتاب ألَّفه أحد شرفاء العالم.. جاءتني منه وبعد ساعتين.. هذه الرسالة:
يجب أن نشجع هذا الكتاب.. أود شراء عشرين نسخة.
رحم الله المواطن الصالح عبدالعزيز بن عبدالله الزامل وأسكنه فسي جنانه.. وجعل من ذكراه حافزاً لشباب وشابات هذا الوطن..
للأخت الفاضلة أم أسامة ولأخي الحبيب الدكتور عبدالرحمن الزامل والابن البار أسامة وإخوتهم وأخواتهم وأبنائهم ومحبي عبدالعزيز الكثر صادق العزاء.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }..