فهد بن جليد
أتابعُ هذه الأيام (النقاش المجتمعي) الدائر في الإمارات بين مؤيِّد ومعارض لطرح مادة (السنع) ضمن مناهج التعليم في المدارس هناك، وهي المادة التي تهتم بتعليم الطلاب التقاليد والعادات المجتمعية التي يجب التمسك بها في ظل المتغيِّرات التي تهدِّد النسيج والهوية والقيم، وزير التربية والتعليم الإماراتي أعلن -قبل يومين- عن قرب تدريسها ضمن مناهج التعليم، وسط تساؤل من البعض: هل هناك أعداد كافية من المعلمين التربويين المتخصصين، أم أنَّه سيعتمد على المعلم الأجنبي الذي لن يتقن ويجيد نقل العادات والتقاليد المجتمعية للنشء، هذا السجال والنقاش يعيدنا لفهم دور المدارس في المجتمعات العربية والخليجية تحديداً، هل هي معاقل تعليم أم معاقل (تربية أولاً)؟ وما هو دور الأسرة والآباء إذاً؟!
لا أعتقد أنَّه يمكننا تجاهل الدور التربوي للمدرسة الذي أعتبره مكملاً ومؤصِّلاً لدور البيت، ولكن ترك الأمر برمته للمدرسة والمعلم، بالاعتماد الكلي ورفع سقف التوقعات من مخرجات المدارس تربوياً وتعليمياً لا يمكن أن يكون صائباً في ظني، وإن كان التأثير التربوي المدرسي (إيجاباً وسلباً) سيبقى واضحاً على الطالب وتنشئته، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الاهتمام والتنظيم للمناهج نوعاً وكماً وكيفاً لتتناسب مع الظروف والمتغيِّرات العصرية لكل مجتمع بحسب ظروفه وتحدياته.
-برأيي- أنَّنا في المجتمعات العربية والخليجية ما زلنا متمسكين بثقافة التربية الأسرية للعادات والتقاليد إلى حد كبير، وتأثير الآباء والبيت سيظل هو النواة الأولى، لذا -في ظني- أنَّ ما نحتاجه أكثر هو كيف نجعل الأبناء يتكيّفون مع المتغيِّرات العصرية بشكل أخلاقي متوازن خصوصاً فيما يتعلَّق بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي هي مرآة واضحة لأخلاق الشعوب وثقافتهم، وسبق أن طرحتُ هنا سلسلة مقالات طالبتُ فيها بضرورة إدراج مناهج دراسية لتعليم الطلاب كيفية التعاطي والتعامل الصحيح مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها مقال بعنوان (تعليم فنون التواصل الاجتماعي في المدارس) المنشور هنا في 9 نوفمبر 2017، والذي ذكرتُ فيه أنَّ إدراج هذه المناهج يُنمي لدي الجيل كيفية التعاطي الصحيح مع وسائل ومنصات التواصل التي هي اليوم ساحة الحرب الفكرية والنفسية الجديدة و (الحقيقية) التي يستهدفنا من خلالها الأعداء، خصوصاً مع ضعف مستوى الرقابة الأسرية وانخفاض دور الأسرة في ذلك، المسألة تربوية أخلاقية وثقافية صرفة، ولكنَّها من جانب آخر ضرورة لحماية الهوية الوطنية لمُواجهة ومُجابهة الأفكار الشاذة والهدامة، فإذا كانت الدول تسعى لحماية أبنائها وثقافتهم والحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم من الانصهار والضياع مع المتغيِّرات العصرية، فإنَّ تعليمهم كيفية التعاطي والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي هو (البوابة الأولى) التي يجب علينا التفكير في حمايتها.
وعلى دروب الخير نلتقي.