د. حسن بن فهد الهويمل
المقدمات الخاطئة, تؤدي -في النهاية- إلى نتائج خاطئة. هذه (قاعدة) مُطَّرِدة, لا يماري فيها إلا فارغ, مغالط.
كلما فَهِمْتَ واقعك, وإمكانياتك, ومحيطك, وعملت على ضوء ذلك, كانت مقدماتك صحيحة.
من الناس من يتعمد المغالطة, وإنكار الواقع, والانغماس في التفاؤل, والركون إلى الرهانات الخاسرة.
واقع أمتنا لا ينحدر إلى القاع, وإنما يتدحرج:- (كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السيلُ مِن علِ).
وما من أحد يدرك تفاصيل (خارطة الطريق) التي أَحْكَم صنعها (الصليبيون), و(الصهاينة), وتولى تنفيذها (الصفويون) الروافض, ومن شايعهم من أراذل القوم.
لقد كان بإمكان (الأمة العربية) إجهاض هذه المشاريع الاستعمارية, أو إيقافها على الأقل, ثم التفكير بطرائق الفوات من هذه المؤامرات.
هناك أرضيات أُعِدَّت, لتكون صالحة لتنفيذ تلك الخرائط.
(حملة نابليون) (اتفاقية سايكس بيكو) (الاستعمار التقليدي) (الانقلابات العسكرية), و(القوة الناعمة) التي أفسدت الأفكار, وجعلتنا من {الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا}.
(الربيع العربي) وجد أرضيةً صالحةً لتَسَارُعِ مصائبه, ومصمياته, التي أتت على الأخضر, واليابس.
قتلت الأنفس, وهدمت البيوت, وشردت الأسر, وأحلت من بقي (دار البوار). والقادم أسوأ, وأشد تنكيلا, إن لم نتعامل مع الواقع بما يناسبه.
الخطورة المرتقبة ليست وقفاً على الأرض المحروقة. وإنما هي في النسق الثقافي الذي غَزَلته (القوة الناعمة).
لقد أحدثت قناعات, ومسلمات, وأشاعت ثقافات, عمقت الفرقة, والعداوة, والشك, والارتياب, والخوف.
جاءت (القومية), و(الوحدة), و(الاشتراكية) مستأثرة بالولاء, مُنَحِّية جميع الولاءات: (الإسلامية), و(القُطْرِيَّةَ). ثم انهارت على يد (الحكومات العسكرية) التي أججتها من قبل.
خطابات متعدِّدة, تعرف منها, وتنكر (الأممية) (الطائفية) (القطرية) (البعثية) (العلمانية) (الاشتراكية) (الليبرالية) (الاستغراب) مزقت الأمة.
ومثلما تمزّقت (الأرض), تمزقت (الأفكار). ومثلما اقتتل العرب على صنمية الحدود الجغرافية, اقتتلوا على الانتماءات الفكرية. فكانت ظلمات بعضها فوق بعض. {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}.
(الأمة العربية) تلقت ضربات موجعة, وواجهت حملات شرسة: (الصليبيون) (القرامطة) (التتار) (الصفويون) (إبراهيم باشا). وقد ساعد على نفاذ تلك المؤامرات تخلي العرب عن بعضهم, وانشغالهم بخلافات داخلية, وهمية, خلقها الأعداء, وضخمها العملاء.
وإذ لا تتحمَّل (الأمة العربية) في راهنها كل هذه المآلات المزرية, فإن واجب قادتها من:- ملوك, وسلاطين, وأمراء, ورؤساء, وعلماء, ومفكرين أن يعيدوا قراءة واقعهم, وإمكانياتهم, ومبادرة (خارطة طريق) توقف التدهور أولاً, ثم تفكر في استعادة شيءٍ من العافية.
دعونا نقرأ (سيناريوهات):
- تحول الحكم العربي إلى دويلات متتابعة.
- سقوط الأندلس.
- سقوط الخلافة.
- التشرذم: الإقليمي, والفكري.
ثم نضع (وثيقة شرف) تعيد للأمة شيئاً - ولو يسيراً - من مكانتها, وهيبتها, وحريتها.
لقد مارس العرب تجربة طرد المستعمر التقليدي, بثكناته, ومناديبه، بل ضرب (الجزائريون), و(الليبيون) أروع البطولات, حين أخرجوا (الفرنسيين), و(الإيطاليين).
بعد (الحرب العالمية الأولى), نشأ الاستعمار التقليدي. وبعد (الثانية) عَمَّ المشرقَ العربي استعمارٌ بغيض, استغل الخيرات, وأذل الشعوب.
وحين هبت الشعوب, وتناست خلافاتها في سبيل طرد المستعمر, خرج صاغراً.
ولكنه عاد بألْبِسَةٍ خداعة, استهوت ضعاف النفوس, فكان ما يُسمى بـ(الطابور الخامس) الذي فتح الأبواب, ويسر الأمور, وأمَّن السبل لغزو, وتآمر قضيا على الأنفس, والأموال, والكرامات.
إن على (الأمة العربية) البحث عن سبل السلامة بوعي الواقع, وإدراك الإمكانيات, والعمل على الدفع بالتي هي أحسن.
لقد عالج فقهاءُ الإسلام اضطرار الأمة إلى دفع (الجزية), مثلما عالجوا أخذها {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
سنة التداول, والتدافع قائمة, والصراع بين الحق, والباطل قائم, وليس هناك خروج من سوح الصراع, ومن لم يهيئ نفسه للصراع أصبح ضحية إهماله:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون}.
واقعنا لم نصنعه بأيدينا, إنه نتيجة تراكمات امتدت من قيام الدول المتتابعة, والصراع الصليبي, والتتاري, والصهيوني. وسيظل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إنه واقع لن نقبله إلا أن نُغْمِضَ فيه.
أملنا في (الطائفة المنصورة) التي لن تُخْذَل.
- فهل نحن قادرون على تحقيق متطلبات هذه الطائفة؟
نسأل الله الثبات على الحق, والاستقامة على المأمور, لكي يتحقق وعد الله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين}.