د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن رؤساء أمريكا، الذين لم يكونوا ضمن أفضل عشرة رؤساء، ولا ضمن العشرة الأسوأ، وضيفنا اليوم هو أحد أشهر رؤساء أمريكا، أي جورج بوش الأب، الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، إذ ينتمي إلى أسرة ارستقراطية عريقة، ترتبط بصلة قرابة مع العائلة المالكة البريطانية، وهو لم يكن مثل ابنه جورج، أي بلا تاريخ سياسي يُذكر، قبل الفوز بالرئاسة، فبوش الأب عركته السياسة، قبل أن يصبح رئيساً، ولذا كان رئيسًا مميزًا، قوي الشخصية، فقد انتخب لمجلس النواب، ثم أصبح مندوبًا لأمريكا في الأمم المتحدة، ثم رأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ثم عمل سفيرًا لأمريكا في الصين، ثم مديرًا للاستخبارات المركزية (سي آي إي)، ثم ترشح للرئاسة في نهاية سبعينات القرن الماضي، وأثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، تم عقد صفقة، بينه وبين المرشح الأقوى، رونالد ريجان، على أن يصبح بوش نائباً لريجان في انتخابات الرئاسة لعام 1980، وكان نائباً يقوم بدور الرئيس تقريباً، خصوصاً بعدما مرض ريجان في آخر سنوات حكمه.
في عام 1988، فاز بوش بالرئاسة، وحصلت أحداث جسام خلال رئاسته، فقد انهار الاتحاد السوفييتي، وسقط جدار برلين، ثم حرب الخليج الثانية، ومما أتذكّره عن فترة رئاسته، إذ كنت حينها أواصل دراساتي العليا في أمريكا، أنه واجه هجوماً شرساً، بعد أن فشل في الوفاء بوعده لخفض الضرائب، كما لا يمكن أن أنسى إعلانه بدء حرب تحرير الكويت، ثم وقوفه بعد ذلك مع القس الشهير، بيلي قراهام، الذي دعا للرئيس ولأمريكا بالنصر! ومن المواقف الطريفة، قبل إعلانه بدء الحرب، أنه قال إنه سيركل «مؤخرة صدام حسين»، واستغرب المعلِّقون حينها استخدامه لمثل هذه اللغة، التي لا يليق نقلها في وسائل الإعلام، وهذا ما جعل المذيع الشهير، بيتر جيننقز، يعتذر للمشاهدين، بعد أن نقل عبارة بوش!
كان بإمكان بوش أن يحكم فترة رئاسية ثانية ويدخل التاريخ بشكل أكبر. هذا، ولكنه ارتكب غلطة العمر، التي أفقدته هذه الفرصة، وهذه ضريبة أن تكون رئيساً قوياً، معتداً بنفسك، فقد انزعج من ابتزاز إسرائيل لأمريكا، وأراد أن يلقنها درساً، مفاده أنها لا تسيطر على أمريكا، بل دولة صغيرة تدور في فلك القوة العظمى، مثلها مثل أي دولة أخرى حليفة، وغاب عنه، أنه لا يمكن لأي سياسي أمريكي أن يناكف إسرائيل، أو يتجرأ عليها، وإلا فإن مستقبله السياسي سينتهي لا محالة، وهذا ما حدث بالضبط، حيث أعدت ايباك خطة محكمة أطاحت به، تحدثت عن تفاصيلها في مقال سابق، نشر في هذه الصحيفة الموقرة قبل حوالي ثلاث سنوات، تحت عنوان: «بيل كلينتون: الفوز الصعب»، والخلاصة هي أنه تم تصنيفه من قبل المؤرِّخين والاستطلاعات الشعبية كرئيس جيد، ربما ضمن أفضل عشرين رئيساً، وأقول دوماً إنه لو فاز بفترة رئاسية ثانية لربما تم تصنيفه في موقع أفضل، ربما في المركز الحادي عشر، أو حتى ضمن العشرة الأفضل!