خالد بن حمد المالك
عندما بلغني خبر وفاة الأخ العزيز معالي الأستاذ إبراهيم العبدالرحمن الطاسان، لم يكن خبراً مفاجئاً، أو حدثاً غير متوقع، ولم تكن وفاته -رحمه الله- بلا أسباب ومقدمات، إذ إنه عانى من المرض طويلاً، وكانت حالته الصحية في تراجع مستمر، ما جعله يطرق أبواب المستشفيات في الداخل والخارج، ويكون صديقاً لمواقع خدمات النقاهة، تحيطه أسرته وأبناؤه وبناته بعنايتهم وبرهم واهتمامهم، وتسعى لتوفير الراحة له أثناء سفره وخلال إقامته بعد اعتلال صحته، وظهور مؤشرات عن عجز الطب عن إعادة وظائف الجسم إلى حالتها الطبيعية.
* *
غير أن عدم وجود حالة المفاجأة في وفاة إبراهيم الطاسان (أبي راكان) لم يخفِّف من حزني وألمي، ولم يضعني في وضع من لم يُصدم وأنا أتلقى خبر وفاته، فقد كان للفقيد مكانة خاصة في نفسي، أتواصل معه، وأزوره من حين لآخر، قبل أن تكون حالته الصحية لا تسمح بذلك، وعرفته أكثر عندما كانت تجمعنا مرافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زياراته الرسمية لدول العالم، بحكم أنه كان رئيس الشؤون الخاصة، فأستمتع بأحاديثه، واجتماعاته، ونبله، وخلقه، وتواضعه.
* *
وأكثر ما كان يؤنسني في أحاديثه، عندما يبدأ في سرد شيء من ذكرياته، وعن علاقته بالكتاب واهتمامه به منذ صغره، حيث كان يشتريه من مصروف جيبه اليومي، مما أوجد لديه مكتبة غنية بالمخطوطات، والمراجع، والكتب، في مختلف التخصصات، وبكل اللغات، بل إنه واصل هذا الاهتمام عن كبر، إلى أن أصبح لديه مكتبة لا تشابهها مكتبة أخرى خاصة، من حيث التنوّع، والندرة، والتنظيم، والمعارف، واللغات، والصور، وغيرها، إلى جانب احتوائها على مجموعات من القطع الأثرية، وأجهزة التصوير القديمة المتنوِّعة، والتسجيلات، وهو أمر نادر أن تجده في مكتبة خاصة.
* *
وكان الفقيد يخطِّط لبناء مكتبة نوعية، ونقل هذا الكنز الثمين من منزله إلى هذا المشروع، بما يسمح للطلاب والدارسين والباحثين بالحصول على مصادر غير متوفرة في غير هذه المكتبة لأبحاثهم ودراساتهم، مع توفير الخدمات التي تساعد وتوفر لمرتادي المكتبة الحصول على المعلومات التي يبحثون عنها.
* *
شخصية الفقيد، شخصية الباحث، المهتم بكل قديم وجديد، فهو إلى جانب المكتبة بالمواصفات والصفات التي أشرت إلى شيء منها، فلديه أسطول من السيارات ذات الموديلات القديمة، بما لا يتوفر مثلها في مكان آخر، وهي مع قدمها في حالة جيدة تصلح للاستخدام، وكانت تجد منه اهتماماً شخصياً للتأكد من سلامتها ونظافتها والعناية بها، وقد سعدت بالاطلاع عليها، كما سعدت بالوقوف على المكتبة، والمقتنيات الأثرية الأخرى الموجودة في جانب منها.
* *
ومن يريد أن يتعرّف على معالي الأستاذ إبراهيم الطاسان أكثر في خدمته لوطنه عليه أن يتذكّر أن الرجل عمل في عدة مواقع قيادية، وكيلاً لوزارة المالية، ومديراً عاماً للجمارك، ومديراً عاماً لمطبعة الحكومة، ونائباً لرئيس الشؤون الخاصة في عهد الملك عبدالله، ثم رئيساً للشؤون الخاصة في عهده أيضاً قبل صدور أمر بأن يكون مستشاراً بالديوان الملكي، إلى جانب وظائف أخرى، ولجان عدة كان فيها عضواً أو رئيساً، لكن هذا لم يغيِّر من شخصية إبراهيم المتسمة بالتواضع والنبل والأريحية والخلق ومحبة الناس.
* *
حقيقة أشعر أننا أمام وفاته نكون قد فقدنا رجلاً شهماً وخيِّراً، وصاحب مواقف إنسانية، غير أننا لن نفقد الصورة الحسنة التي ستبقى خالدة في أذهاننا عن الفقيد، وهكذا هي الدنيا، ما من أحد من البشر باقٍ إلى أبد الآبدين، فاللهم اغفر لأبي راكان، واجعله في نعيم جناتك، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.