م. بدر بن ناصر الحمدان
قراءة المشهد العام في العاصمة الرياض، هذه المدينة «المتروبولية»، وما يحدث من تغيير في أروقة إدارتها من أجل تمكين صناعة الترفيه كأحد أهم روافد الحياة لسكانها، يؤكد أن ثمة رغبة جادة في رفع مستوى جودة هذه الحياة بشكل عملي، وتعويض مرحلة ماضية، كانت المدن السعودية تعيش فيها حالة من الرتابة والسكون.
لا أتحدث هنا عن محض خيال، أو بناء على افتراضات نظرية، بل من وحي الواقع، ومن معايشة يومية كمعاصر للرياض، وأحد ساكنها، وكمتخصص في تخطيط وإدارة المدن وتشغيلها، فالراصد لتفاصيل ذلك التغيير سوف يلحظ التنامي المطرد في تلك الأنشطة الترفيهية الموجهة مباشرة إلى سكان المدينة، سواء من قِبل القطاع الحكومي أو الخاص. وهذا يؤكد أن هناك نضجًا كبيرًا في التعامل مع أولويات الحياة داخل المدن، وهذا ما كانت تفتقر إليه.
في رأيي الشخصي، إن «موسم الرياض» بصفة خاصة سيمثل علامة فارقة في إحداث هذا التغيير الذي كان لا بد منه، وسيكون هذا الموسم قادرًا على تقديم تجربة استثنائية في «إعادة الحياة إلى المكان»؛ فالاستقطابات التي تتم حاليًا لجذب أحداث عالمية إلى العاصمة هي في حد ذاتها ثقافة عمل جديدة، انتظرتها لسنوات طويلة، ودفعت خلالها ثمن مقارنة غير عادلة مع مدن إقليمية مجاوره، كانت حينها سببًا رئيسًا للهجرة الموسمية لسكانها بحثًا عن مثل هذه الفعاليات التي توجد الآن على أرض الرياض، وبصورة أكثر احترافية، للمواطن، والمقيم، والسائح.
على أعتاب هذه المرحلة «الحيوية» حتمًا سيكون هناك «سوداويون»، سيمارسون صناعة الفوبيا أمام كل خطوة «حياة»، قد تعيد المدن السعودية إلى طبيعتها. ولا شك في أن الاستسلام لهذه الثقافة السوداوية سوف يجعل من هذه المدن أماكن «أحادية» و»كئيبة»، وسيصبح سكانها أكثر «عزلة».
يجب أن ندرك أن هؤلاء الممانعين يعيشون حالة من التناقض؛ فهم في الوقت الذي يسعون فيه لإجهاض مثل هذه الفعاليات لأسباب غير منطقية هم بذاتهم -على الأغلب- مَن يسافر للبحث عنها خارج أسوار الوطن، ويتعايش معها، ويستمتع بها، بل يعود بوجه ناقد لمدننا التي يرى -على حد زعمه- أنها لا تقدم بدائل ترفيهية مماثلة لما هي عليه مدن الخارج. هذا أمر غير منصف.
نعم، هناك حاجة إلى مراجعة بعض الفعاليات التي ربما لا تكون موائمة مع المجتمع المحلي في الفترة الحالية، ولكن هذا ليس مبررًا لإعاقة مثل هذا المشروع الترفيهي الكبير؛ فكل التجارب عادة ما تمرُّ بمراحل تطوير وتغيير حتى تصل إلى الأسلوب الأمثل. وهذه طبيعة دورة حياة المبادرات الجديدة.
شئنا أم أبينا، فالترفيه -كأسلوب حياة- بات اليوم على خارطة البنية التحتية، وعنصرًا من التجهيزات العمرانية الأساسية للمدن، وميزة نسبية في تنافسيتها. وما ينفق على مشاريعه من ميزانيات هو جزء من استراتيجية لجعل هذه المدن أماكن صالحة للعيش، تتوافر بها مقومات الرفاهية، وهذا ما يحدث في أغلب مدن العالم الطامحة للذهاب إلى المستقبل.
لم يعد من المقبول أبدًا أن تعود المدن السعودية إلى الوراء، وهي التي في طريقها الآن للريادة الحضرية إقليميًّا ودوليًّا.
الوعد الرياض.