د.عبد الرحمن الحبيب
«لم يَقُم ترامب بأي شيء لأي شخص دون الحصول على شيء بالمقابل، وهو ليس على وشك التغيير الآن»، كما قالت جويندا بلير كاتبة سيرة ترامب. ويضيف كاتب سيرة آخر، وهو مايكل أنطونيو، أن «موقف ترامب، الربح بأي ثمن، متأصل لدرجة أنه لا يستطيع إيقافه»، مما يذكّرنا بمدمني المقامرة. تقول بلير إن قضية أوكرانيا ذكّرتها بالطريقة التي يصف بها شركاء الأعمال السابقين ترامب في صنع الصفقة.. مضيفة أن «رجل الصفقات يضرب مرة أخرى»؛ لكنها ستكلفه كثيراً هذه المرة!
لطالما أعلن ترامب عن نفسه للشعب الأمريكي بصفته صانع صفقات ناجح، لكن مشكلته الآن أن «شيء بالمقابل» التي بدا أنه أرادها من أوكرانيا «قد ترقى لمستوى جريمة لا يمكن التغاضي عنها»، كما كتب مايكل هيرش (نائب رئيس تحرير مجلة فورين بولسي الأمريكية). الاشتباه بالجريمة يستند على مزاعم بأن الرئيس الأمريكي ضغط على الرئيس الأوكراني للتحقيق في قضية فساد لملف منافس سياسي له مقابل الحصول على مساعدات أمريكية، مما دفع بالديموقراطيين ذوي الأغلبية بمجلس النواب لفتح تحقيق بشبهة إساءة الرئيس استخدام سلطته، وبالنهاية سيتقرّر نتيجة هذا التحقيق على تصويت مجلس الشيوخ الذي يعود إليه أمر إدانة ترامب وعزله أو تبرئته واستمراره بمنصبه.
فهل من الممكن عزل الرئيس؟ يبدو ذلك مستبعداً، إذ يتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون وغالبيتهم موالون للرئيس. كما أن ترامب كرر ثقته المطلقة بفشل عزله كما فشل التحقيق السابق بقضية التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية؛ لكن ما يحصل بالقضية الحالية لا يشبه ما حصل بالسابقة، لأسباب رئيسية، خلاصتها: الادعاءات الجديدة ضد ترامب تتهمه هو وليس مساعديه على خلاف القضية السابقة، وتركز على إساءة استخدام السلطة أثناء وجوده بمنصبه وليس قبلها، وعلى نشاطات وقعت داخل البلاد وليس خارجها، وتمس سياسة الولايات المتحدة وليس سلوك فرد (الياس جرول، فورين بولسي).
ورغم أن كبير الباحثين في المجلس الأطلسي (Atlantic Council) أندرس أسلاند، لا يرى أن المساءلة يمكن أن تعزل ترامب؛ لكنه كتب بمجلة بوليتيكو «هناك شيء واضح حول فضيحة أوكرانيا التي تهدد بإسقاط دونالد ترامب. كان الأشخاص من حوله يشاركون بعمق مع قادة سياسيين ورجال أعمال مشكوك بهم في أوكرانيا لسنوات.. ليختم مقاله: «لا ينبغي أن نتفاجأ من هذا الأمر. أحاط ترامب نفسه مع الناس الذين اعتادوا القيام بأعمال تجارية قذرة في أوكرانيا. ربما كان من المحتم أن يقع عاجلاً أو آجلاً بنفس المستنقع.» أسلاند قال لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا: «على الرغم من فشل مساءلة [الرئيس السابق] بيل كلينتون، فقد قوضت سمعته إلى الأبد، وفاز الجمهوريون بعد ذلك لعدة سنوات. هنا الفكرة الرئيسية من إجراءات العزل: تقويض سمعة حزبه السياسي».
وفي ذات السياق، يرى المحلّلون الروس أنها لعبة انتخابية مستبعدين إمكانية عزل الرئيس.. يقول يوري روغليف الباحث بالشؤون الأمريكية بجامعة موسكو: «لن يتم عزله. متأكد مائة بالمائة.» لأنها محادثة عادية بين زعيمي دولتين لا يفكران بنشرها، مذكراً بما قاله باراك أوباما لبوتين بميكروفون مفتوح، عن غير قصد، أن يديه بعد الانتخابات ستكونان مطلقتين، ويمكنه الالتزام بمسار أكثر مرونة تجاه موسكو. ولم تكن هناك أي مساءلة. ويتساءل: «تخيلوا ماذا كان سيفعلون بترامب لو قال شيئاً مماثلاً الآن؟ ومع ذلك، لن يتمكنوا من إزاحته.. يفهم الديمقراطيون ذلك أيضاً، وسوف يحاولون إقالته بالحملة الانتخابية لعام 2020». ومثل ذلك، يرى الكاتب الروسي إيغور سوبوتين المساءلة صراع بين الحزبين، ولعب على مزاج الناخبين الأمريكيين الذين لم يحسموا خيارهم بعد (روسيا اليوم).
لكن إذا افترضنا أنه تمت إدانة الرئيس الأمريكي وعزله من منصبه، فلا تتوقع منه قبول النتيجة، هذا ما كتبه مايكل هيرش، في آخر مقال له، «بناءً على ما قاله في الأيام الأخيرة، حتى لو تم إقالة ترامب من قبل مجلس النواب وإدانته من قبل مجلس الشيوخ، فقد يرفض هذا الحكم باعتباره غير شرعي. لقد حذر ترامب بالفعل من احتمال نشوب «حرب أهلية»، وكتب بتغريدة: «لقد توصلت إلى استنتاج مفاده أن ما يحدث ليس عزلًا، إنه انقلاب». كما سعى ترامب إلى نزع الشرعية عن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لإطلاقها تحقيقًا في المساءلة، قائلاً للصحفيين: «فيما يتعلق بي، لم تعد رئيسة مجلس النواب»، مقترحاً القبض على رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب آدم شيف، الديمقراطي المسؤول عن التحقيق، بتهمة الخيانة. ويستنتج هيرش أن «الأزمة الدستورية بالولايات المتحدة هي فقط بمراحلها الأولى»، ليختم مقاله مفتوحاً: «يبقى السؤال بلا إجابة: إذا أدين ترامب في النهاية ورفض ترك منصبه، فمن سيزيحه بالضبط؟»
ما يحدث لا يشبه أمريكا ذات التقاليد الدستورية الراسخة حين يتم الحديث عن: حرب أهلية، انقلاب، أزمة دستورية واختلاف حاد في تفسير بعض مواد الدستور، واتهامات متبادلة بالتخوين ببن قادة الدولة.. رغم أن المسألة لم تصل لمرحلة المواجهة التنفيذية لتلك العبارات.. فهل هي حرب كلامية والبحث عن فضائح الخصوم كمقدمة للانتخابات المقبلة أم بداية تغير في أمريكا التي يعرفها العالم؟