د. محمد عبدالله الخازم
سمو الأمير عبدالله بن بندر أحد القادة الشباب الذين تفخر بهم بلادنا؛ إذ أبدى مهارات قيادية بارزة، تؤكد أن القيادة والنباهة تبدأ من سن إدارية مبكرة. لمسنا ذلك في حضوره الميداني، وفي لباقته الاجتماعية والإعلامية أثناء وجوده في إمارة مكة بجانب القامة الإدارية الأمير خالد الفيصل. لفت الانتباه؛ فوثقت فيه القيادة بتسليمه دفة منصب قيادي آخر، له ما له من الحساسية والوهج والأثر في تاريخنا الأمني والثقافي والإداري، ألا وهو منصب وزير الحرس الوطني.
الحرس الوطني ليس مجرد ذراع من أذرعنا العسكرية والأمنية التي نباهي بها، بل تم تطويره ليكون مؤسسة ثقافية اجتماعية تعليمية صحية قبل أن يكون مجرد قوة ضاربة في مجالها العسكري. أحد مكامن فلسفة تطوير الحرس الوطني كان المبادرة في تبني دعم وتأسيس مجالات متنوعة، بلادنا بحاجة إليها، أو لم يكن هناك جهات مبادرة بتبنيها، أو هي من المجالات التي رُئي أهمية تطويرها للوصول لمرحة التميز لما تقدمه من إضافات نوعية للحرس الوطني والمجتمع مستفيدة من الإمكانات المتوافرة، مثل تطوير مهرجان الجنادرية حينما لم تكن هناك وزارة ثقافة، أو تطوير الخدمات الصحية والتعليمية حينما كان هناك حاجة لدعم الجهات المتخصصة في هذا الشأن..
من الصعوبات التي تواجه بعض القادة اندفاعهم لتكبير ما هو ضمن إدارتهم، وما تقدمه مؤسساتهم المختلفة، والتمسك بالوهج الإعلامي والثقافي الذي تتيحه بعض المجالات. لكن سمو الأمير عبدالله بن بندر كصاحب فكر يدرك أن القيادة ليست بالحجم والتمسك بالمنبر الإعلامي. ولأنه أدرك أن المعطيات الإدارية والتنظيمية والتاريخية تتطلب المرونة في تحديث جهاز الحرس الوطني بادر تحت ظل القيادة الحكيمة للبلاد، بالتعاون مع أخيه وزير الثقافة، بنقل الإشراف على مهرجان الجنادرية من وزارة الحرس الوطني إلى وزارة الثقافة، وهو المهرجان الأشهر في المنطقة من الناحية الثقافية والتراثية منذ تأسيسه كرمز وطني مهم عام 1985 م حتى اليوم، بل كان البعض يراه ضمن هوية الحرس الوطني.
هو بُعد النظر القيادي في التعامل مع وزارة الحرس، وكأنها قامت بدور الحاضنة سابقًا لبعض المبادرات الوطنية، تؤسس للمشروع وتبرزه، ويصبح ذا قيمة معروفة، ويتم تسليمه للجهة الأقرب لتخصصه ليتولى إدارته. هكذا كان الحرس الوطني، الحاضنة التي أسست وأدارت مهرجان الجنادرية حتى أصبح مَعلمًا مهمًا؛ فقامت بتسليمه للجهة الأقرب لاختصاصه، ألا وهي وزارة الثقافة. لم يكن يحدث ذلك لولا وجود قيادة كسمو الأمير عبدالله بن بندر، تؤمن بالاختصاص، ولديها رؤية نحو متطلبات المصلحة العامة. الحرس الوطني لم يكن أنانيًّا عندما تبنى فلسفة تعميم خدماته وخبراته وإمكاناته على جميع أرجاء الوطن ولجميع المواطنين، وليس فقط لمنسوبيه. رأينا ذلك ممثلاً في إدارته للجنادرية أو لمستشفياته أو جامعته، وغيرها من الخدمات.
الشهر القادم سيقام «الجنادرية» تحت ظل وزارة الثقافة لأول مرة، والتكريم الأول الواجب في هذه المناسبة هو للحرس الوطني، مؤسسة وقيادة وفكرًا إداريًّا راقيًا. التقدير لمدرسة إدارية حديثة ليس همها الحجم بقدر ما هو النوع والتخصص وفق رؤية تنظيمية وطنية شاملة.