د. خيرية السقاف
لم تعلمني أبجدية الكلام قبل أن تزرع فيَّ أبجدية الإحساس يا «برهوم»، كنتَ حين تطعمني الحلوى تطلبني أن أتذوَّق معها الكلمة الطيِّبة، وأول أبجدياتك التي غرستها في تربة نفسي هي الحب، كنتَ تنسج الحب فينا غصونا، وترعاه ثمارا،
في الصباح أحبك لأنك أول يد تمسح على وجهي لتغسل النوم عن عيني؛ «وقت الصلاة يا بنتي فلا تغفلي».. هناك حين أقف خلفك مع نوَّارة، وإخوتي أجهش لفرط حنانك وأنت تلفظ الآية تلو الآية، بعد أن تكون قد أسقيتنا معانيها في جلساتك الودودة.. تقول؛ «الله يرانا، يعلم سرنا، يدري خفايا صدورنا، فليرانا محبين له»، بشغف نقبل عليه، فنتبارى أينا ينهض من الفراش قبلا، ويكون أول الواقفين خلفك للصلاة، ويسقط في أيدينا جهلنا بأيِّنا حبه لله أكبر؟!..
ما تلبث أن تلتفت إلينا لتسألنا المزيد في حب الله.. حتى جعلته الأقرب الأحب، وببراءة الطفولة أذكر سألتك يوما؛ أحبك أبي ولا أحد أكثر منك، فقلت لي: حين يكون الله الحب الأول في قلبك، ستعرفين كيف تحبينني يا صغيرتي..
وعلى مصباح كلماتك، أشعلت فينا رغبة المعرفة، فكان الكتاب صديقك رفيق جلساتنا بعد عصر كل يوم،
أذكر يا إبراهيم يوم كنت تقرأ بعضاً من صفحات كتاب، وإخوتي وأمي يصغون إليك، جلست إليك، التصقت بك، غرست عينيَّ في الصفحات التي تقرأها لهم بصوتك الحنون، ولم أكن أفقه كلمة مما كنت تقرأ، فسألتك عن بعضها ماذا تعني، ربّت يومها على رأسي وأنت تقول: ستكبرين وتعرفين..
ذلك اليوم لم يمض، حتى تسللت إلى مكتبتك، وأخرجت الكتاب ذاته، وحين فتحته لم أستطع قراءته، ولا معرفة كلماته، فذهبت أبكي، وما عرفتَ أنت بكل محاولاتك سر بكائي حتى كبرت، وأخبرتك بالسر..
يا برهوم؛ أنت عالم زاخر، وأب نهر، ومحيط عميق..»2»..