د.ثريا العريض
بعد التطورات الإيجابية في السبعينات في ما يتعلق يفتح مجال التعليم الحديث للمرأة, جاء عقد الثمانينات والمتغيرات التي حملها معه في الجوار القريب والبعيد بمجموعة من التغيرات التي أثّرت في المجتمع السعودي ككل وفي أوضاع المرأة بالذات: لعل أهمها ارتفاع دخل الدولة من تصدير النفط، والطفرة المادية التي نتجت عنه وأدخلت إلى الخليج اليد العاملة الأجنبية المستوردة بالملايين, فجعلت عمل المرأة لدعم اقتصاديات الأسرة أو الدولة أمرًا غير ضروري؛ ثم أحداث المنطقة دينيًا: ثورة الخميني في إيران وممارسة تنفيذ الحرس الثوري لمبدأ تصدير الثورة إلى الجوار، وبعدها حركة أتباع جهيمان في الحرم، ربما دفعتا الرأي والقرار الرسمي للتهادن مع تصاعد ضغوط التيار المتشدد, مما مكنه من التغلغل في أسلوب الحياة ومناهج التعليم وقيم الشارع وأبطأ نمو نبتة حراك المجتمع علميًا وحركة التطوير التي بدأها الملك المؤسس عبد العزيز, وحين أوقف برنامج الابتعاث للدراسة شلت حركة التواصل مع مستجد البحث العلمي العالمي إلا قليلاً.
وكانت المرأة ضمن الفئات التي دفعت الثمن خاصة حين استقطب التيار المتشدد المتعلمات القياديات لمحاربة فكرة عمل المرأة على أنها ضد تعاليم الدين وأنها مؤامرة غربية على المرأة المسلمة التي من الأفضل أن تبقى جوهرة مكنونة في خدر مصون.
وهكذا عايشت المرأة السعودية منذ منتصف الثمانينات وضعين متناقضين: تعليمها حتى الدراسات التخصصية العليا, ومعارضة المجتمع المحلي للانفتاح وعملها بجانب الرجل. المحظوظات فعلاً كن من حظين بدعم أسري أو بموقع في المؤسسة الرسمية ولم تتلوث أفكارهن بتوجهات الغلو المتصاعد.
ربَّ ضارة نافعة: كل هذه التأزمات المتشابكة اتضحت تداخلاتها وتداعياتها الخطرة حين فاجأت العالم أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك, وما تلاها من اتخاذ غزو صدام للكويت ذريعة للتدخل العسكري في المنطقة وهجرة الكثير من العمالة الوافدة من حرب لا تخصهم، لتلقي الضوء على جانبي ضعف مصيريين: مدى ارتهان المنطقة للمصالح الفئوية والتقنية واليد العاملة الأجنبية من جهة, وتمدد خلايا الغلو والتشدد في نسغ الوطن, وأن نسبة كبيرة من فئة الشباب قد تم اختطافها وجدانيًا عبر أدلجة فكرها, حتى تشوه بعضهم من الجنسين إلى خلايا تهدد الوطن كله إذ تدين بالولاء لموجهين من الخارج؛ إيران من جهة, والإخوان من جهة ملتفين حول وعود الخلافة.
أصبح لا بد من مواجهة الوضع بقرارات مصيرية تعيد الأمور إلى الوجهة الصحيحة. وبدا واضحًا أن مشاركة المرأة في إعادة التوازن الاقتصادي والوجداني والاجتماعي السلوكي أمر لابد منه حتى وهو يلقى معارضة مكثفة من جبهات متعددة لمبررات مختلفة. صحيح أن تعليم المرأة ضمن التعليم العام ظل مستمرًا, والحمد لله, وإن حركة توظيف الخريجات لم تتوقف وإن عانت ضغوط الشروط وعدم الدعم مجتمعيًا, إلا أن تأزم الحالة الاقتصادية, وإلقاء الضوء الكاشف على تأثر السلوكيات المجتمعية بتراكمات العقود الأسبق, شكَّلت دافعًا رئيسًا في القرارات المتعلقة بالمرأة التي اتخذت في السنوات الأخيرة موضحة بشكل قاطع الوجهة التصحيحية.