مها محمد الشريف
إن الاتجاه اليوم لاقتصاد الدول واستقرارها، والأدوات العملاقة التي تساعد على التأثير لاستقطاب الجماهير بقدرة ومهارة؛ فالعالم يستكشف أسرار «مدينة الأنباط السعودية»، وكثيرًا من الأماكن التاريخية المميزة، وتحوُّلها إلى وجهة سياحية عالمية في إطار الانفتاح على العالم بقيمنا وأهدافنا، وتنويع اقتصادنا بعيدًا عن النفط.
وتأسيسًا على ما سبق فإن الاستثمار في السياحة يجعلنا ندرك أننا نملك حقًّا ذلك الكم من الخيارات، عندما يتعلق الأمر بما نشاهده ويشاهده العالم بدعم استثمارات بمليارات الدولارات، تقودها الدولة، وشراكة ثقافية فرنسية، لإعداد منطقة العلا كوجهة سياحية جاذبة. أضف إلى ذلك تلك الجهود التي استقبلت ملايين الزوار من السعوديين والأجانب على السواء.
ثمة شعور عام، مفاده أن الفخر والاعتزاز يغمرنا ويسعدنا بهذا التنوع الكبير في وطننا الغالي؛ لما يوجد على أرضه من تاريخ مجيد، والعديد من المناطق الثرية بالتراث، كمدائن صالح المسجلة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو). وهي مدينة يعود تاريخها إلى ألفَي عام، نحتها الأنباط في الصخور الصحراوية، وتقع في منطقة العلا. والأنباط قبائل عربية، عاشت قبل الإسلام، وشيدت أيضًا مدينة البتراء في الأردن.
ويأتي تغيير نمط الاستثمار وتعدد مصادر الدخل بوصفه سياسة ناجحة من اقتصاد ناجح. من هنا يجري الأمر بتطوير المواقع التراثية بهدف جذب آلاف السائحين، وتعزيز الهوية الوطنية، وخلق فرص عمل.. فقد أصدرت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة تقريرًا سنويًّا عن السفر والسياحة العالمية، يوضح أكثر البلدان استقطابًا للسياح في جميع أنحاء العالم. وأشار هذا التقرير إلى ارتفاع عدد السياح الوافدين في العالم إلى ما يزيد على 1.3 مليار في عام 2017، أي بزيادة مقدارها 6.8 % مقارنة بعام 2016م؛ لتمثل هذه الزيادة أكبر زيادة مئوية خلال عام واحد فقط منذ عام 2009م. وتعد كل من إفريقيا وأوروبا أكبر منطقتين من ناحية ازدياد عدد السياح، وذلك بنسبة 9 % لقارة إفريقيا، و8 % لقارة أوروبا. واستقبلت أوروبا أكثر من نصف العدد الكلي للسياح في العالم بعدد يبلغ 671 مليون سائح، بينما تلقت إفريقيا أقل من عُشر هذا العدد، وهو نحو 63 مليون سائح فقط.
ونجد في هذه المرحلة الحفاظ على التنمية السياحية المستدامة للوجهة، وتطوير الموارد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، والاهتمام بمقومات الأمن والسلامة؛ إذ يشكل ذلك قضية مهمة، يجب الاهتمام بها في صناعة السفر والسياحة العالمية، والمحافظة عليها من العوامل المختلفة كتغير المناخ والاحتباس الحراري. وكذلك تيسير السفر والعمل لإزالة العوائق التي تمنع السفر، كالتأشيرات، وجوازات السفر. وفي هذا الجانب أعلنت السعودية أنها ستُصدر للمرة الأولى في تاريخها تأشيرات سياحية؛ لتفتح بذلك الأبواب أمام السياح بهدف تنويع الاقتصاد.
ومن ذلك المشاريع السياحية الضخمة التي بدأت المملكة بإنجازها من الساحل الطويل للبحر الأحمر لتحويلها إلى منطقة جاذبة للسياح، كما تتضمن إقامة مدينة ترفيهية قرب العاصمة الرياض، وفتح الباب لأول مرة العام الماضي أمام الأجانب من أجل التقدم عبر الإنترنت للحصول على تأشيرات دخول إلى المملكة؛ وذلك من أجل المشاركة في مؤتمرات أو حضور فعاليات خاصة تقام داخل البلاد.
بهذه المشاريع الكبيرة، واستقطاب السياح من جميع أنحاء العالم، قال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث أحمد الخطيب إن فتح أبواب السعودية أمام السياح الأجانب هو «لحظة تاريخية لبلادنا»، وفقًا لما نقلته وكالة «فرانس برس». وستقدم السعودية تأشيرات سياحية عبر الإنترنت لمواطني 49 دولة، وفق ما نقلت «بلومبرغ نيوز» عن الخطيب.
وهذه الإنجازات تحتاج من الناس لوعي حقيقي بالسياحة، وتقديم محتوى ثري من المعلومات والمعارف، ومجموعة من الدروس في حصص النشاط في المدارس، وإرسال ذلك عبر البريد الإلكتروني لطلبة وطالبات الجامعات والدراسات العليا؛ لتحكي عن أهمية السياحة للدولة، وضرورة تثقيف المجتمع؛ فهي أكثر من معرفة؛ لأنها بالأساس تبدُّل يطرأ على نمط اقتصادي، يبدو مستقلاً، وذلك يكون برفع إنتاجية العمل، وتوفير الكثير من الفرص الوظيفية، وتوفير الأدوات اللازمة لتشغيل هذه القوة.