د. خيرية السقاف
عرّفني الحياة
حين دبت في شراييني، كان فيها دماؤها النابضة
وقدماي حين دبتا تمشيان على الأرض كان البوصلة، والدليل، والحادي، والمصباح،
أول لثغة حرف في لساني قوّمها، ورتب الحروف في كلمتها..
عثرة لساني لا تضحكه بل توثب حضنه ليحتويني،
وشغب طفولتي لا يزعجه، بل يشده لمشاركتي..
أول من سمعته يقرأ، وأول من تبعته يصلي،
أول من وضع في كفي حلوى، وفي الأخرى نقودًا.. ومسح عن رأسي بلل المطر، ولف حول كتفي شال الدفء..
في ليل مرضي يجاورني مرقدي، وفي نهار كدي يشاركني همتي..
نجاحي له وسام، وفشلي عنده بداية درب..
علمني «برهوم» كيف أحيا حين عرَّفني الحياة كيف تحيا...
أول حرف تعرَّجت في رسمه سِنة قلمي قوَّمه، وأول من أصغى لحفيف كلماتي هو..
منحني وقته حين كان مثقلاً بأعباء عمله، وبراحه حين يتكئ على أريكة استراحته..
«برهوم»، الذي زرع، حرث، وأسقى، وعندما نافت القدمان بي، ضرب الخيمة بساعدَيْ حدْبه، ليكون وتدها صدقه، وحبه، وحنانه، وفرحه، وخوفه.. فالأوتاد حين تتجذر، فإن شجرتها هو، وغصون هذه الشجرة عروقه، وسقياها دمه..
هذا الراكض في عروقي «إبراهيم»، هذا الحياة التي كانت في الغيب، فالغيهب، ففوق الأرض
روحا تتنفس، وذاتا تجاهد..
علمني الجهاد فابتدأ معي بالنفس، والجهاد فغاص بي في الذات، والجهاد فسهّدني الليالي، والجهاد فسعيت على خطاه في النهار..
هذا الأب لا مثيل له..
إنه «برهوم»...«1»