أثارت قضية سحب جائزة نيلي زاكس من الكاتبة البريطانية الباكستانية الأصل كاميلا شامسي بسبب دعمها لحركة المقاطعة الإسرائيلية الكثير من التساؤلات الثقافية والأخلاقية وحرية التعبير في الأوساط الثقافية والسياسية في العالم، وخصوصًا ألمانيا.
حصلت شامسي على جائزة نيلي زاكس في 6 سبتمبر 2019 بسبب روايتها «حريق البيت» التي ترجمت إلى الألمانية عام 2018 وحققت نجاحًا كبيرًا في ألمانيا، حيث تدور أحداثها عن عائلة مسلمة تتفكك نتيجة صراعات واختلافات دينية بينها.
لكن ما هي جائزة نيلي زاكس؟ إنها جائزة أدبية تمنح كل عامين من مدينة دورتمند الألمانية للأدب الذي يشجع على التآلف والتفاهم والاندماج بين مختلف الثقافات. أطلقت الجائزة عام 1961 باسم الشاعرة اليهودية نيلي زاكس التي فرت هاربة مع أمها من ألمانيا إلى السويد، حيث كان اسمها مدرجًا للاعتقال في المعسكرات النازية. حصلت على جائزة نوبل للأدب في عام 1966 ، وألقت في الحفل قصيدة قالت فيها: (وبدلاً من الوطن، أحمل تحولات هذا العالم).
جرت نقاشات ثقافية وسياسية في ألمانيا لمدة طويلة إذا ما كانت حركة المقاطعة الإسرائيلية - BDS - معادية لسياسة إسرائيل أم أنها معادية للسامية؟ وفي مايو الماضي صنفها البرلمان الألماني كحركة معادية للسامية وأدانها بتصويت ذو أغلبية كبيرة، وفي هذا السياق قال عضو البرلمان الألماني فليكس كلاين: « مَن يرى مثل رأي حركة مقاطعة إسرائيل عدم أحقيتها في الوجود كدولة، ومَن يشبه سياسة إسرائيل بالسياسة النازية فإنه ليس معاديًا لسياسة إسرائيل فحسب، بل هو معاديًا للسامية». المصدر من موقع دويتشه فيلا بالألمانية
وحسب موقع دويتشه فيلا الألماني فإن العديد من الصحفيين والناشرين الألمان أيدوا قرار لجنة الجائزة في سحبها، فحسب قولهم: فإن الجائزة المسماة باسم الشاعرة اليهودية الألمانية والتي فرت من المعسكرات النازية لا يمكن أن تذهب إلى كاتبة تؤيد مقاطعة إسرائيل وترفض ترجمة كتبها إلى العبرية، مؤكدين أن لها الحق في رأيها، ولكن ليس لها الحق في هذه الجائزة. صحيفة فرايتاق الألمانية ذكرت في هذا السياق أن بعض النقاد والكتاب الألمان رأوا أن الكاتبة شامسي تستحق جائزة لتميز أعمالها الأدبية، حيث أن خمسة من أعمالها قيد الترجمة إلى الألمانية حاليًا، ولكنها لا تستحق جائزة نيلي زاكس تحديدًا! حيث يصف الكاتب الألماني هانس ماغنوس الشاعرة نيلي زاكس بأنها آخر شاعرة يهودية ألمانية كتبت باللغة الألمانية.
في الجهة المقابلة ناصر أكثر من 250 كاتبًا وفنانًا الكاتبة شامسي في رفض ذي بعد ثقافي وأخلاقي لسحب الجائزة من خلال توقيع خطاب استهجان مفتوح، ورغم أن الجائزة ألمانية إلا أن المثقفين الألمان لم يناصروا الكاتبة شامسي أو يستهجنوا سحب الجائزة من خلال التوقيع على الخطاب، باستثناء كاتب واحد وهو الكاتب والمخرج الألماني «ألكساندر كلوق»! لذلك يتساءل المحرر الأدبي الألماني أندريا بلات هاوس في صحيفة فرانكفورتر ألقماين الألمانية:» لماذا لم يناصر الكتاب الألمان الكاتبة شامسي ويوقعوا على الخطاب؟ إنه يرى لأن السبب الأساسي معقد تاريخيًا وثقافيًا في ألمانيا، والنقاش يكون في جو حواري مسموم حول الحد الفاصل بين معاداة إسرائيل أو معاداة السامية في ألمانيا»، لذلك يحاول معظم المثقفين تجنب خوضه.
إن المتأمل مما حدث من سحب الجائزة والحوارات حولها بعيدًا عن النص الأدبي لكلتا الكاتبتين، يجعلنا نتساءل لمن تمنح الجوائز؟ وكيف يمكن للجوائز الثقافية أن يكون لها قيمة في تقييم الأدب بشكل مجرد من أي عبء سياسي أو أجندة إعلامية؟ هل تُمنح لمن تتسق مواقفه مع مواقف أغلبية الساسة وقائدي الإعلام؟ أم على الجوائز أن تقف مع الأدب كنص مجرد، ومع حرية المثقف في أن يقرر ما يراه؟
مَن يتأمل قصائد الشاعرة نيلي زاكس وتاريخها الحزين في الهرب واللجوء يمكنه إسقاط هذه القصائد وهذا التاريخ العائلي المشتت على أي امرأة هاربة ولاجئة، وعائلة ترجو فقط النجاة من الموت والعيش بالكفاف كما عاشت نيلي زاكس آخر حياتها. فأين هو التقاطع؟ هل يكون تقاطعنا مع التاريخ الأدبي من منطلق إنساني وثقافي أم على السياسة أن تجعله تقاطعًا عرقيًا محققة أهدافًا أخرى؟
...
وهنا ترجمتي لقصيدة نيلي زاكس التي ألقتها أثناء حصولها على جائزة نوبل، والتي يمكن أن يتقاطع معها كل المشتتين واللاجئين الهاربين من بلادهم بغض النظر عن أعراقهم.
In der Flucht
welch gro?er Empfang
unterwegs-
في رحلة الهروب
ما أعظم استقبال الطريق
Eingehüllt
in der Winde Tuch
Fü?e im Gebet des Sandes
der niemals Amen sagen kann
denn er mu?
von der Flosse in den Flügel
und weiter-
ا لطريق المتوشح بأكفان بيضاء لمواجهة الرياح
وأقدام واقفة للصلاة في هذه الرمال
لكنها لا تستطيع أبدًا أن تقول آمين
لأنه عليها أن تتحول من سمكة إلى طائر
وهكذا
der kranke Schmetterling
wei? bald wieder vom Meer
Dieser Stein
mit der Inschrift der Fliege
hat sich mir in die Hand gegeben-
والفراشة العليلة تدرك أنها ستعود قريبًا من البحر
مستدلة بالحجر الموشوم بذكرياتها
الحجر المثقل بذكرياته وجدته في يدي
An Stelle von Heimat
halte ich die Verwandlungen der Welt
وبدلاً من الوطن
أحمل تحولات هذا العالم
** **
- د. الهنوف صالح الدغيشم