د. عبدالرحمن الشلاش
مع ظهور تقنية الجوالات الذكية شهدت المجتمعات تغيّرات جذرية في عمليات نقل ونشر المعلومات والوسائط من حيث السرعة الرهيبة والنشر الواسع ليس داخل الحدود فقط وإنما على مستوى الكرة الأرضية. كنا في السابق نختار ما يروق لنا من مقاطع ونصوص، أما اليوم فليست الخيارات بأيدينا. مجرد أن تدخل أي موقع أو تطبيق تنهال عليك المقاطع والنصوص والصور والأخبار والتقليعات وخذ معها الاستهبال واستخفاف الدم من كل حدب وصوب. ليس بمقدورك صد هذا السيل الجارف إلا بالخروج أو إغلاق الجهاز لترتاح بعض الوقت!
مؤكد أننا بحاجة للأخبار لكن من مصادر موثوقة، وبحاجة للمقاطع والنصوص واللقاءات ولكن المصنوعة بطرق احترافية، وبحاجة للتعليقات والمداخلات والتغريدات والتوجيهات والمقالات ولكن من أصحاب العلم والمعرفة والثقافة والاختصاص. خلاصة هذا الأمر أننا نريد من كل هذا النافع والمفيد والمثري بعيداً عن الغث. نريد السمين بعيداً عن كل إسفاف لكن كيف وقد أصبحت هذه الأجهزة في كل يد؟ الفرد فيها هو الكاتب والمصور وهو المخرج والمنفذ ينتج العمل في ثوان معدودة ثم ينشره في جزء من الثانية. هو لم يصنع هذه الأجهزة وإنما وجدها بين يديه ليسيء استخدامها خاصة إذا ما استعملها في تنفيذ إنتاج سمج يفسد به الذوق العام كي يكون مشهوراً ولو بالسخافة وقلة الحياء!
أغلب الإنتاج يتم في تويتر والسناب شات وغيرهما من مواقع التواصل ثم يصب كل هذا الزخم الهائل من الغث والقليل من السمين لمواقع وتطبيقات أخرى فيها أكثر متابعين وشرائح متنوِّعة بدءاً بالمثقفين وأنصافهم وأرباعهم وأخماسهم وأسداسهم وانتهاءً بالأميين والجهّال وفاقدي البوصلة، حيث يدورون في أماكنهم، ومن يعيشون خارج إطار الوعي الجمعي فلا يعلمون بما يدور حولهم.
الواتس أب أبرز وأشهر التطبيقات التواصلية وأكثرها استخداماص من الكبار والصغار. من العائلات والأصدقاء والزملاء. من الرسميين وغير الرسميين على هيئة قروبات أو تواصل خاص، وهنا مكمن الخطورةن حيث تلقف الغث من إشاعات وأخبار كاذبة وتهم وتلفيقات وتحريض مبطَّن كمن يدس السم في العسل.
كأن هذا الواتس قد تحوَّل لسلة لكثير من المهملات والنفايات ونحن نتلقى بشغف كل ما يصلنا. شخص من التافهين يخرج ليسرد علينا قصة قرأها وحفظها المهم لديه الظهور، وآخر يخرج علينا ليقيم علاقات الدول يصوّب هذا ويخطّئ ذاك، وآخر يسرد علينا تجاربه أو وصفاته الطبية. ليس لنا كمجتمع من مخرج إلا وقف هذه التفاهات على أقل تقدير بعدم نشرها وإعادة إرسالها لنحد من انتشارها ووقف هذه البلاوي عن جوالاتنا.