حبيبٌ عن الأحباب شطت به النوى
وأيُّ حبيب ما أتى دُونه البُعْدُ
الإنسان عندما يَهُمُّ بالكتابة عن راحل خيّر من الأخيار مُتعدد الصفات الحميدة فإنه يَحَارُ كيف يبدأ..، بل إن سجاياه الكريمة قد تتدافع أمام ريشة القلم أيها يسبق..، وهذا من نعم الله على من يتوارى عن أنظار الوجود وعن أحبته تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً تُردده الأجيال جيلاً بعد جيل:
فأحيي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتانِ
وهذه الصفات مجتمعة تنطبق تماماً على الشيخ الكريم - أبو إبراهيم - محمد بن عبدالعزيز الجميح الذي غادر الحياة الدنيا مأسوفاً على غيابه تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً، وذلك مساء يوم الأربعاء 26-1-1441هـ وأُديت صلاة الميت عليه في جامع الإمام تركي بعد صلاة عصر يوم الخميس 27-1-1441هـ في الرياض ثم حُمل جثمانه الطاهر ووري في ثرى مقبرة العود، مجاوراً لمن سبقوه إلى مضاجع الراحلين - تغمدهم المولى جميعاً بواسع رحمته ومغفرته ـ ولسان حال من حضر من أبنائه وأحفاده وأسرته يردد هذا البيت:
كم راحل وليت عنه وميت
رجعت يدي من تربه غبراء
كما ولسان حال أخيه الشيخ حمد في تلك اللحظات لحظات الحزن العميق مُستحضراً هذا البيت مُكرراً ترديده في خاطره:
أخيين كُنّا فرق الدهر بيننا
إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدّهرا
كان الله في عونك أبا عبدالعزيز - وعظم الله أجركم.
وكانت ولادة الشيخ محمد في بلد آبائه وأجداده «شقراء» قاعدة الوشم وهي موقع تجاري هام منذ عشرات العقود وذلك في عام 1341هـ حيث عَبَرَ «الهُنيدة» بكامل قواه وحواسه السمعية والبصرية..، ثم بدأ دراسته في إحدى مدارس الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم حتى أكمله قراءة وحفظاً لبعض أجزائه..، حيث ترعرع بين أحضان والديه وإخوته في أجواء مسرة ومرح، وفي بيت غنى وتجارة وعندما شب هو وشقيقه حمد أخذا في معاضدة والدهما وعمهما محمد بن عبدالله الجميح -عليهما رحمة الله- في مزاولة بعض الأعمال التجارية بتدرج حتى حذقا فن التعامل مع العملاء، بكل صدق وجد واحترام، وهكذا إلى ما وصلت إليه حياتهم التجارية المباركة العملاقة، وكل ذلك بتوفيق وعون من الخالق جلّ ثناؤه - رحم الله أبا ابراهيم، وأسعد أسرته كافة - وقد اشتهرت شركة الجميح القابضة داخلياً وعالمياً التي كان يرأسها الشيخ محمد بن عبدالله الجميح، ومن بعده الشيخ محمد بن عبدالعزيز الجميح وشقيقه الشيخ حمد، فمن أبرز نشاطها استيراد آلاف السيارات الفخمة جيدة الصّنع، وعرضها داخليا وخارجيا مثل مناطق الخليج، وغير ذلك من البلدان..، كما اشتهرت بمصانع تعبئة المرطبات وغيرها..، وأفضل من ذلك كله المساهمة في الأعمال الخيرية كبناء العدد الكبير من المساجد وتجديد صيانتها مع تأثيثها، والجائزة المباركة المشهورة التي تقام سنوياً بمحافظة شقراء بلاد الآباء والأجداد، التي تُعنى بتكريم وتشجيع حفظة كتاب الله الكريم..، فالحديث عن الشيخ الراحل محمد -رحمه الله- وعن شقيقه حمد متعه الله بكامل الصحة وصلاح العقب، لا يمل فأبوابهما مفتوحة لمن يؤمهما من وجوه المجتمع من معارف وأحبة، كما لا يفوتهما يوم فيه أجر وشرف سواء كانت أفراحاً أم مواساة -طلباً للأجر من رب العباد-، - تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم شقيقه الشيخ حمد وابنه الشيخ إبراهيم وعقيلته وابنته وأحفاده، وكافة أسرة الجميح ومحبيه الصبر والسلوان.
وكل أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلا الفرقدان
** **
عبدالعزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء