د. مساعد بن سعيد آل بخات
يُعد المعلم في ضوء العملية التعليمية القائمة ركناً أساسياً في بنائها, ويُعتمد على المعلم من قِبل وزارة التعليم لتحقيق أهداف التعليم سعياً للتواكب مع رؤية 2030م والتي ستشهد تغيراً كبيراً في جميع الأصعدة التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مما في شأنه أن يعود بالنفع والفائدة على الوطن والمواطنيين والمواطنات.
وقد أشار عبدالرحمن المشيقح في كتابه والذي يحمل عنوان: (رؤى في تأهيل معلم القرن الجديد) إلى أنَّ: «أكدت بعض الدراسات التربوية بأنَّ 60 % من نجاح العملية التعليمية يقع على عاتق المعلم, بينما يتوقف 40 % من نجاح العملية التعليمية على الإدارة والكتب وظروف الطالب العائلية وإمكانات المؤسسة التعليمية».
لذا نجد بأنَّ المعلم يسعى جاهداً على تحقيق أهداف وتطلعات وزارة التعليم من خلال إخلاصه في عمله بتدريس الطلاب للمقرر الدراسي الخاص به مستخدماً إستراتيجيات متنوعة للتعلم النشط لكي يتأكد من إيصال المعلومات للطلاب بكل وضوح, وبتوجيهه لسلوكيات الطلاب بما يتوافق مع المعايير المقبولة في المجتمع, وقيامه بأنشطة لا صفية متنوعة لإكساب الطلاب مهارات وخبرات جديدة... إلخ.. من الأعمال والمبادرات التي يقوم بها المعلم في المدرسة.
وعندما نتمعن في حال الدول المتقدمة والدول شبه المتقدمة نجد بأنهم قد حرِصوا على رفع مستوى التعليم من خلال الإعلاء من شأن المعلم, لأن دور المعلم في التربية الحديثة لم يعد مقتصراً على نقل التراث التاريخي والثقافي للأفراد, بل يتضمن أيضاً بناء الأفراد وإصلاح المجتمع.
فعلى سبيل المثال: عندما سُئِلَ رئيس دولة سنغافورة السابق (لي كوان) عن سبب تطور سنغافورة في عهده, فقال: «أنا لم أَقُم بمعجزة في سنغافورة, أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني, فخصصت موارد الدولة للتعليم, وغيّرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى طبقة أرقى طبقة في سنغافورة, فالمعلم هو من صنع المعجزة, هو من أنتج جيلاً متواضعاً يُحِبُ العِلم والأخلاق بعد أنْ كُنا شعباً يبصق ويشتم بعضه البعض في الشوارع».
فالمعلم في الوقت الحاضر لم يُعد يُقدِّم المعلومة للطلاب فقط, بل إنَّ له أدواراً أخرى لا يعيها جيداً إلا من كان قريباً من الميدان التعليمي (المدارس), ومن بعض أدوار المعلم ما يلي:
أولاً/ للمعلم دورٌ عقائدي من خلال تنمية الوازع الديني لدى الطلاب مما يساعدهم على أن تكون سلوكياتهم متوافقة مع ما نص عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ثانياً/ يُمثل المعلم قدوةً حسنة لطلابه عند امتثاله بالأخلاق الحسنة قولاً وعملاً, لذا يؤكد أحد أعلام الاتجاه الفقهي في الفِكر التربوي الإسلامي وهو (القابسي) على أنَّ: «يجب أن يعمل التعليم على تهذيب الأخلاق, واكتساب الأخلاق يكون عن طريق التعليم والقدوة».
ثالثاً/ للمعلم دورٌ بارزٌ في توجيه وإرشاد الطلاب من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
رابعاً/ للمعلم دورٌ كبيرٌ في نقل التراث الثقافي للطلاب مما يغرس في نفوس الطلاب الاعتزاز بتاريخهم وأسلوب حياتهم.
خامساً/ للمعلم دورٌ مهمٌ في تعزيز ثقافة الحوار بين الطلاب واحترام أراء بعضهم البعض.
سادساً/ للمعلم دورٌ بناءٌ في تعزيز سلوكيات الطلاب الإيجابية وتوجيه سلوكيات الطلاب السلبية.
سابعاً/ للمعلم دورٌ وطنيٌ من خلال نشر ثقافة حُب الوطن والانتماء له بين الطلاب.
ثامناً/ للمعلم دورٌ دفاعيٌ من خلال تحصين عقول الطلاب من الأفكار الهدامة والإشاعات المُغرِضة والتي تهدف إلى زعزعة الأمن بالوطن.
تاسعاً/ للمعلم دورٌ رائدٌ في شحذ الهمم واكتشاف المواهب وتحفيز المبدعين من الطلاب.
عاشراً/ للمعلم دورٌ أبويٌ مع الطلاب من خلال تعامله معهم بلُطف وشفقة وكأنهم أبنائه وليسوا بطلابه, وهذا يُمثل أحد الآراء التربوية عند أحد العلماء المسلمين وهو أبو حامد الغزالي فقد كان يؤكد على أن من أدوار المعلم «أن يُشفِق على المُتعلم, ويأخذه بالآداب الدينية, ويحثه على لين الجانب, والتواضع الكريم».
وعندما نتأمل قليلاً في وضع المعلم السعودي سابقاً نجد بأنه كان يحظى بمكانة اجتماعية عالية في المجتمع السعودي مما جعله مربياً ومعلماً في الوقت نفسه, فالأسرة تتعاون مع المعلم, ووسائل الإعلام تساند المعلم, والمساجد تؤكد على وجوب احترام المعلم والاستفادة من علمه, والنوادي تتواصل مع المعلم لاكتشاف مواهب الطلاب واستثمارها... إلخ.. من علو مكانة المعلم عند مؤسسات المجتمع المختلفة.
إلا أنَّ المعلم في الوقت الحالي فقد جزءاً من هيبته ومكانته الاجتماعية ليس لسبب واحد فقط بل لِعِدَّةِ أسباب (سأذكرها لاحقاً), مما جعل بعض المعلمين والمعلمات يحاولون البحث عن مهنة بديلة (لتدريس الطلاب والطالبات), فاتجه البعض لإكمال دراساتهم العليا من أجل البحث عن وظائف تناسب طموحاتهم خارج سلك التعليم العام, وبعض المعلمين والمعلمات التحق ببرامج تدريبية لتحويل مساره من معلم صف إلى (مرشد طلابي أو أمين مصادر تعلم أو وكيل أو قائد مدرسة), وبعض المعلمين والمعلمات أقدم على التقاعد المُبكِر بغية البحث عن الراحة الجسدية والنفسية من الضغوطات التي تواجههم من وزارة التعليم أو من خلال إعلام ما يرحم.
ومع العلم بأنه قد تحدث بعض المهتمين في شئون التعليم قبل عِدَّةِ سنوات عن مشكلة تدني النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم إما في (مقالات أو دراسات), إلا أنه ما زالت مهنة المعلم تعاني من النظرة الاجتماعية المتدنية له حتى هذه اللحظة.
فقد توصل الباحث عبدالرحمن الطويرش في عام 1434هـ في رسالته للماجستير والتي بعنوان: (المكانة الاجتماعية للمعلم وسُبل الارتقاء بها من وجهة نظر معلمي التعليم العام بمحافظة الخرج) إلى ما يأتي:
* عينة الدراسة.. موافقون على بعض عبارات واقع المكانة الاجتماعية للمعلم وهي:
أولاً/ مما يرفع مكانة المعلم أن رسالته سامية وعظيمة.
ثانياً/ يدرك المجتمع بأن التعليم هو أساس تقدم وتطور المجتمع.
ثالثاً/ تختلف مكانة المعلم من مجتمع إلى آخر.
رابعاً/ لن يتردد المعلم في الوقت الحاضر بالالتحاق بمهنة أخرى غير مهنة التعليم.
* وعينة الدراسة غير موافقين على بعض عبارات واقع المكانة الاجتماعية للمعلم وهي:
أولاً/ أعاد يوم المعلم بعضاً من هيبة المعلم ومن مكانته الاجتماعية.
ثانياً/ مكانة المعلم في الوقت الحاضر رفيعة.
ثالثاً/ مكافأة نهاية الخدمة للمعلم تتناسب مع مكانته الاجتماعية وما قدمه من بذل وعطاء.
لذا..
الذي يتضح لي بأنَّ من بعض أسباب تدني النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم ما يلي:
أولاً/ مَرَّ المعلم بفترة نقد سلبي من قِبل الجهة المسؤولة عنه (أي وزارة التعليم) من خلال تصريحات المسؤولين المحبِطة لهم, بها فتارةً يوصف بأنه شكاء وبكاء, وتارةً أخرى يوصف بأنه ضد التغيير والتطوير... إلخ.. من العبارات المُحبطة للمعلم, مما جعل الثقة تُفقد بين المعلم ووزارة التعليم.
ثانياً/ تضمنت اللائحة التعليمية الجديدة أربعة تصنيفات للمعلم (مساعد معلم, معلم ممارس, معلم متقدم, معلم خبير), وتم وضع جميع من هم في الميدان التعليمي في المجموعتين الأولى (معلم مساعد, معلم ممارس) بصرف النظر عن خبرة المعلم أو كفاءته أو مستوى تعليمه, مما جعل المعلمين هنا يشعرون بالظلم, فكيف لوزارة التعليم أن تساوي من يملك خبرة 30 سنة في التعليم مع من يملك خبرة 5 سنين ليكونوا في نفس التصنيف (معلم ممارس)؟.. وكيف لوزارة التعليم أن تساوي بين من يملك شهادة بكالوريوس مع من يملك شهادة ماجستير أو دكتوراه ليكونوا جميعاً في نفس التصنيف (معلم ممارس)؟.. مما جعل بعض المعلمين والمعلمات يشعرون بالإحباط واليأس, أضف لذلك بأن أي معلم لا يحق له أخذ العلاوة السنوية إلا إذا اجتاز اختبار رخصة المعلم ليتم نقله من معلم ممارس إلى معلم خبير, مع أن العلاوة السنوية حقٌ للمعلم كغيره من موظفي الدولة وليست بحافز.
ثالثاً/ تركيز بعض وسائل الإعلام على سلبيات بعض المعلمين والمعلمات لنشرها بين عامة الناس, وفي المقابل عدم إظهار الجانب المُشرق من البرامج والأنشطة عند بعض المعلمين والمعلمات المتميزين.
رابعاً/ ضعف العلاقة بين الأسرة والمدرسة, واقتصارها على الحضور مرة واحدة في كل فصل دراسي أثناء مجلس الآباء (مع العلم بأنَّ بعض أولياء أمور الطلاب لا يحضر في مجلس الآباء, وكذلك هو الحال بالنسبة لبعض أولياء أمور الطالبات!!).
خامساً/ عدم قيام بعض الأُسر بتوعية أبنائهم الطلاب والطالبات عن مدى أهمية احترام وتقدير المعلمين والمعلمات ومحاولة الاستفادة من علمهم, بدلاً من التشكي من طلبات المعلمين والمعلمات في المنهج الدراسي والتذمر من المدرسة.
سادساً/ ضعف المستوى الدراسي عند بعض الطلاب والطالبات, إما لعدم وعيهم بأهمية طلب العلم, أو لعدم متابعة أهاليهم لهم, أو لكثرة استخدامهم للتقنية وانغماسهم في سلبياتها, مما جعل بعض الأشخاص يعيبون في المعلمين والمعلمات والعيب ليس بهم.
سابعاً/ ضعف ثقة بعض المعلمين والمعلمات بأنفسهم مما سمح لغيرهم بأن يتجرأ على التقليل من شأنهم في المجتمع.
ثامناً/ ضعف مستوى بعض المعلمين والمعلمات من الناحية (التخصصية والتربوية والثقافية).
تاسعاً/ ممارسة بعض المعلمين والمعلمات من غير المؤهلين تربوياً لمهنة التعليم.
وأخيراً.. إننا بحاجةٍ إلى إعادة النظر في وجوب تعزيز مهنة المعلم على الوجه اللائق بها كمهنة مُشرِّفة, والحل في ذلك لا يقع تحت مظلة مؤسسة واحدة فحسب, بل يعتمد على تكاتف جميع مؤسسات المجتمع من: (المدرسة, والأسرة, والمسجد, والنادي, ووسائل الإعلام...إلخ..) للرفع من شأن المعلم ومنحه المكانة التي يستحقها فعلاً.