د. أحمد الفراج
كتبتُ فيما مضى عن أفضل عشرة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي، وكذلك عن أسوأ عشرة، وما بين الأفضل والأسوأ هناك رؤساء تم تصنيفهم في الوسط، أي إنهم لم يكونوا سيئين، ولكنهم لم يكونوا ضمن الأفضل. وسنبدأ اليوم بالرئيس باراك أوباما، الذي جاء من اللامكان، وكسر قواعد راسخة في الإمبراطورية الأمريكية؛ إذ إن جميع رؤساء أمريكا قبل أوباما كانوا من أصول أوروبية، إيرلندية تحديدًا، وينتمون للمذهب المسيحي البروتستانتي، عدا الرئيس جون كنيدي، الذي انطبقت عليه كل المواصفات، عدا أنه كان مسيحيًّا كاثوليكيًّا. أما أوباما فلم يكن من أصول أوروبية. وهنا لا بد من التوضيح أن وصف أوباما بالرئيس الأسود ليس دقيقًا؛ فهو ينتمي للعرق الإفريقي بحكم أن والده من كينيا، كما ينتمي للعرق الأبيض بحكم أن والدته بيضاء من أصول أوروبية؛ وبالتالي فهو ينتمي لكلا العرقين، الإفريقي والأوروبي. وغني عن القول أنه فاز بالرئاسة بعد محاولات كثيرة، حاول فيها بعض الساسة السود الوصول للرئاسة، وفشلوا فشلاً ذريعًا.
لم يكن أحد يتخيل أن يفوز سياسي أسود برئاسة أمريكا، وعندما ترشح داعية الحقوق جيسي جاكسون للرئاسة قبل أوباما في عامَي 1984 و1988 كان مثارًا للسخرية، ولم يأخذه أحد بجدية؛ فالسود لم ينالوا حقوقهم المدنية، ولم تُلغَ قوانين التمييز العنصري، إلا في عام 1968، أي قبل أربعين عامًا فقط من فوز أوباما بالرئاسة. وحتى لو كان هناك من يظن أن سياسيًّا من أصول إفريقية قد يفوز بالرئاسة فإنه حتمًا لن يكون مرشحًا والده ينتمي إلى دولة أخرى، مثل باراك أوباما، وهذا يعني أنه كان يملك مؤهلات غير عادية، قلبت كل الموازين، وجعلت قناة فوكس نيوز اليمينية تفقد صوابها بعد فوزه، وتنشر كاريكاتيرًا، صبغت فيه وجه الرئيس التاريخي أبراهام لينكولن باللون الأسود! تعبيرًا عن الغضب من فوز رئيس أسود؛ وبهذا دشنت القناة مدًّا عنصريًّا، استمر طوال فترة رئاسته، وهو الأمر الذي تعامل معه أوباما بمنتهى الحكمة؛ فقد واجه من العنصرية ما لا يستطيع أحد مواجهته، ولا يمكن أن ننسى قصة ترامب معه، ورد أوباما عليه، وهو الأمر الذي جعل الأول ينتقم بالترشح للرئاسة، والوعد بأنه سوف يمسح كل تاريخ أوباما. وسنواصل الحديث عن أوباما، وتصنيف المؤرخين والشعب الأمريكي له!