د. محمد بن يحيى الفال
يُقال بأن الصراخ هو مؤشر على مقدار حجم الألم، ونرى صدق هذه المقولة بشكلٍ جليٍّ وواضحٍ ولا لبس فيه مع حجم الصراخ المتمثل بتغطيات مُلفقة مثيرة للشفقة من قبل قناة الجزيرة القطرية منذ اليوم الأول للأزمة الخليجية، أي منذ الخامس من شهر يونيو 2107 ضد الدول المقاطعة لها والمكونة من ثلاثة دول خليجية هي المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، إضافة لجمهورية مصر العربية والتي انضمت لدول المقاطعة لدولة قطر بسبب لا تتناطح في صدق مبرره عنزتان وهو التدخل السافر ومنذ سنوات لقناة الجزيرة القطرية في الشأن المصري وبشكل يعد علامة فارقة وغير مسبوقة في تاريخ التغطيات الإعلامية من قبل مؤسسة إعلامية تسوق لنفسها بأنها قناة الرأي والرأي الآخر والذي أتضح للجميع بأن مقصدها بالرأي الآخر ليس سوى دس للسم في العسل أو ذر للرماد في العيون لإخفاء الأجندات الخفية التي تعمل لتنفيذها قناة الجزيرة القطرية لنشر الفوضى والإرهاب والانقسام في كل أرجاء العالم العربي.
لم تأت الأزمة الخليجية من فراغ أو بين ليلة وضحها بل هي نتيجة تراكمات وأخطاء مريعة لم تكن مصادفات أو عن حسن نيات، بل هي كانت نتيجة مؤامرات وأمر دبر بليل رأي الجميع نتائجه الفظيعة الغارقة في المأساوية فيما أطلق عليه اصطلاحاً الربيع العربي من قبل مراكز البحوث الغربية وهو الأمر الذي يضع تساؤلاً مشروعاً عن دور هذه المراكز والجهات الاستخبارية التي تقف من وراءها في هذا الربيع والذي لم تكون نتيجته في حقيقة الأمر سوى خريف غاية في السوداوية، شرد عباداً وخرب بلاداً ونتائجه المريعة ظاهرة للعيان لكل من ما زال لديه ذرة شك في حجم المؤامرة المدبرة لتمزيق العالم العربي وتفكيكه والذي أسندت مهمة تسويقها للعالم العربي لقناة الجزيرة القطرية وبميزانية غاية في الضخامة وبدعم معنوي من مراكز البحوث الغربية المهتمة بالعالم العربي والتي لا يخفي على المتخصصين علاقاتها بأجهزة الاستخبارات في بلادها.
حاولت الدول الخليجية المتضررة من الدور التخريبي الذي تقوم به هذه القناة إفهام القيادة القطرية بكافة الطرق الأخوية بأن عليها كبح جماح هذه القناة التي أضحي ديدنها هو نشر الأكاذيب والتسويق لمنظمات إرهابية والتحريض المستمر والتشويش لتخريب الأمن والسلم الاجتماعي للدول المتضررة وكانت نتيجة هذه المحاولات إما التسويف من خلال تعهدات زائفة بتصحيح الخط التحريري للقناة أو الإحساس الزائف المكابر بمقدرتهم عبر قناتهم في تخريب الأمن والسلم الاجتماعي لأيّ من الدول التي يضعونها في مرمى سهام قناتهم المسمومة وربما كذلك مدفوعين بدعم خفي من قبل قوى دولية وإقليمية تلعب على التناقضات بين دول المنطقة لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة.
لم يدر بخلد مسؤولي القناة أو بحساباتهم القاصرة والذين أمعنوا في غيهم بكونهم جعلوا القناة بوقاً لتمرير أجندة حلفائهم من نظام ملالي طهران وذيله في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية والذيل الآخر المستنسخ القابع في صنعاء بأن الدول المقاطعة لهم بسبب دعمهم للإرهاب والتسويق له من خلال قناتهم هي دول متماسكة في بنيتها الوطنية حتى بتنوع عقيدتها أو مذهبها، وبأن تهورهم وحساباتهم الخاطئة سوف ترتد عليهم إن آجلاً أو عاجلاً، وظنوا عبر قناتهم بأنهم قادرون على النيل من الدول المقاطعة لهم وذلك ببث كل ما في جعبتهم من سموم كانت نتيجتها عكسية تماماً وعوضاً عن تأثيرها سلبياً على الرأي العام في شعوب الدول المقاطعة.. حدث أن اكتشف الجميع حجم الزيف وكذب خرافة المصداقية التي ما انفكت قناة الجزيرة تصف نفسها بها ولتكون نتيجة إنفاقهم على القناة حسرة عليهم بعد انفضاح أمرها أمام الرأي العام العربي.
الأزمة الخليجية أكدت المؤكد وهو أن القناة لديها أجندات خفية شاهدنا كيف رمت بها الشقيقة جمهورية مصر العربية ولسنوات عدة، حاولت فيها وبكل أساليب التضليل الإعلامي زرع فتنة بين أهلها وإشاعة الفوضى التي رأينا نهايتها ونتائجها التدميرية في العديد من بلادنا العربية، وبعد فشلها الذريع في تحقيق ما خطط له من تدمير وشرذمة لأحد أهم الأقطار العربية جاءت الأزمة الخليجية والتي كان انضمام مصر لها أمر طبيعي بعد صبرها لسنوات على مؤامرات قناة الجزيرة عليها والتي أنصبت ومع الأزمة الخليجية ضد المملكة وبهجوم شرس وبكم هائل غير مسبوق من الأكاذيب والتغطيات الهادفة لتشويه سمعة المملكة لدى الرأي العام العربي والدولي. رأينا هذا الحقد الدفين في تغطية قناة الجزيرة لقضية جمال خاشقجي -رحمه الله- والتي أفردت لها القناة تغطية مستمرة ولمدار الساعة ولعدد من الأسابيع، في سابقة هي الأخرى مشابهه للحالة المصرية يُعتقد بأنها غير مسبوقة في تاريخ تغطيات وسائل الإعلام لحدث من الأحداث.. الجريمة والتي اعترفت المملكة وبكل شفافية وشجاعة بحدوثها ويعرف كل منصف بأنها كانت نتيجة سلسلة من القرارات الخاطئة غير المسؤولة أو المدروسة، وكانت نتيجتها مؤسفة ومؤلمة استنكرتها المملكة ونددت بها ممثلة بقيادتها الرشيدة وصدر أمر سام كريم بإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة؛ وشُرع في تحقيقات ومحاكمات مُعمقة مازالت مُستمرة وبحضور لممثلي عدد من الدول.. حادثة إنسانية مؤسفة للغاية، حاولت قناة الجزيرة وبكل إمكانياتها وبقدها وقديدها أن تسخرها في تشويه سمعة المملكة لدى الرأي العام العربي والعالمي، ولم تكن نتيجة كل هذه الأفعال المُشينة سوى الفشل الذريع الذي منيت به القناة ومكائدها.. بيد أن هذا الفشل لم يثني القناة التي تقتات على الكذب والتحريض وتشويه الحقائق من تخصيص مئات من ساعات بثها في نشر كم هائل من الأكاذيب والمغالطات عن حرب اليمن ووضعت كل من المملكة والإمارات الشقيقة في مرمى حربها الدعائية التي خصصت لها فريق ممن أطلقت عليهم صفة الخبراء من بعض الدول العربية ومن الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا يعيد لأذهاننا إعلام المقاولات، تستضيفهم على شاشتها بشكل شبة يومي فيما يبدوا وكأنه قد تم التعاقد معهم بعقود طويلة الأجل لتأكيد الغثاء المُمل الغارق في التشويه عن الحرب في اليمن من أجل إحداث أكبر ضرر بالأهداف السامية للتحالف اعربي لإعادة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً لحكم اليمن ودعمه مادياً ومعنوياً لإعادة السلم والأمن الأهلي لربوعه وتخليصه من شر عصابة الحوثي الكهنوتية المدعومة من ملالي طهران.
لم تكن المملكة ومصر وحدهما هدفاً للتشويه الممنهج لقناة الجزيرة القطرية فقد شمل هذا التشويه كذلك الشقيقة دولة الإمارات العربية المتحدة والتي صبت عليها قناة الجزيرة في الآونة الأخيرة سلسلة من التغطيات المليئة بالمغالطات والأكاذيب عن وضع حقوق الإنسان في الإمارات والحرب في اليمن، والتي لم ولن تنطلي على شعب الإمارات المتماسك مع قيادته، وعندما لم تر نتائج لمكائدها في إثارة الرأي العام في الأمارات توجهت القناة نحو محاولة تهيج الرأي العام في مملكة البحرين عن طريق بث أكاذيب ما زالت مستمرة فيها، في خطوة تؤكد بأن القناة ديدنها هو إثارة الفتن والقلاقل أينما تمكنت من ذلك ومدعية بأن الحكومة البحرينية تحرض وتنسق مع تنظيم القاعدة الإرهابي لقتل مواطنين معارضين للحكومة على أراضي دولة البحرين.
لم تكتف قناة الجزيرة القطرية ببث سمومها وتُرهاتها على شاشتها بل أضحت مشاركة مذيعها ومنسوبيها في وسائل التواصل الاجتماعي أمراً روتينياً، حيث وفي سابقة في تاريخ المؤسسات الإعلامية رأيناهم يبدون آراءهم نهاراً في المواضيع الساخنة الحادثة في المنطقة وليظهروا مساءً على شاشة القناة للحديث عن نفس المواضيع مع ضيوفهم، في قتل غير مسبوق للحيادية التي هي من أهم خصائص العمل الإعلامي، الحيادية التي تغنت بها القناة، ولتأتي الأزمة الخليجية لتعريها وتفضح كذبها بسقوط مريع وغير مسبوق للقناة.
أوضحت الأزمة الخليجية بأن قناة الجزيرة بعيدة كل البعد عن الموضوعية (Objectivity) وبأنها قناة خطها التحريري مُمعن في الذاتية (Subjectivity) وبأنها ليست إلا أداة إعلامية ينفق عليها بسخاء لتمرير أجندات على رأسها تمزيق العالم العربي، انطلاقاً من أطروحات الفوضى الخلاقة. تشويه الحقائق بحملات إعلامية مسعورة هو أمر لم يتفطن لخطورته الرأي العام العربي فقط، بل كذلك فطنت له الوساطة الكويتية التي هدفت بحسن نية وإحساس صادق وجهد مقدر من قبل سمو أمير دولة الكويت الشقيقة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله وشفاه- والذي سعى جاهداً نحو تقريب وجهات النظر لحل الأزمة الخليجية مؤكداً على أهمية وقف التصعيد الإعلامي كبداية لحل الأزمة الخليجية.
أكاذيب قناة الجزيرة القطرية ينطبق عليها تماماً مقولة الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، أبراهام لينكون بقوله:»You can fool all people some of the time, and some of the people all the time, but you cannot fool all the people all the time».. « تستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، وتخدع قلة من الناس في كل الأوقات ولكن لا يمكنك خداع كل الناس باستمرار». الأزمة الخليجية كشفت أكاذيب الموضوعية التي خدعت قناة الجزيرة الناس بها وأزاحت الأقنعة الزائفة عن حياديتها ومصداقيتها واحترافيتها والتي تدثرت به القناة القطرية منذ انطلاقتها، وقادم الأيام مليء بالأحداث التي تبرهن على ذلك.