عبدالعزيز السماري
عاد زواج القاصرات إلى الواجهة في واقعنا المؤلم، فقد تم تزويج فتاة عمرها لا يتجاوز ثماني سنوات إلى رجل مسن في دولة مجاورة، والمؤلم في الأمر أن العقل الديني يسهِّل لهؤلاء في إشباع غرائزهم الجنسية، فالجنس مع الأطفال يفترض أنه جريمة يُعاقب عليها الفاعل بأشد أنواع العقاب..، لكن ضعف الجانب القانوني والتشريعي في دول العالم الثالث يجعل منها مسرحاً لاستغلال الأطفال، واضطهادهم جنسياً من أجل لذة غير سوية..
قرار منع زواج القاصرات ضرورة ومطلب إنساني، ويتطلب قراراً إدارياً صرفاً، ويجب أن يصدر من خلال سلطة القرار التنظيمي، وأن لا يلتفت إلى أصوات تجعل من الروايات الآحاد تشريعاً للحاضر، ولو رضخنا لهم لما تعلّمت البنات، ولا زال للرق سوق رائجة، ولن أستطرد في سرد القرارات الإدارية التي تجاوزت بعض الأحكام التي تعارض مصالح الناس ومنافعهم، فهي كثيرة، وسأحتاج إلى صفحات عديدة لسردها، وتعود في التاريخ إلى القرون الأولى، فالعقل الإنساني يملك الحكمة والشجاعة لتجاوز الأزمات والتعارض في فهم النصوص..
الإشكالية التي يجب التطرق إليها في هذه القضية، هي الروايات التي تنص أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من عائشة رضي الله عنه، وهي ابنة ست سنوات، وتلك الحملة الدفاعية التي تناهض الرأي التاريخي الآخر، والذي يستدل بأحداث أنه تزوجها وهي ابنة الثامنة عشرة..، تلك إحدى أهم إشكاليات الفوضى التشريعية التي نعيش فيها، فقراءة النصوص والأحاديث الآحاد تُؤخذ بمعزل عن مقاصد الشريعة والأصول الثابتة والقطعية، ولهذا نحتاج إلى التخفيف من حدة التعصب للروايات الآحاد، وأن نزنها بميزان الأصول والمقاصد، فالنص الآحاد يحتمل الظن، وليس ثابتاً وقطعياً..
كانت هذه الفوضى التشريعية أيضاً أحد أهم أسباب الإرهاب منذ حركة جهيمان، والذي استخدم نصاً آحاداً لاحتلال الحرم وإعلان ظهور المهدي المنتظر، كذلك كان نحر الرقاب واغتصاب الفتيات تحت مسميات الجواري الحلال، قراءات غير سوية لنصوص آحاد، وقد وصل الأمر إلى قتل الأقارب والوالدين تنفيذاً للشرع الذي قال به فوضوي يعيش في أحد الكهوف..
أدرك جيداً أن القرار الإداري يملك القدرة والشرعية لتحديد سن الزواج، لكن السؤال موجه لعلماء الأصول والشريعة الثقاة، والذي يدركون معاني الدراسات العلمية والمقاربات البحثية، وسؤالي: هل يصح أن نترك الحبل على الغارب في المجتمع، أم نعيد ترتيب أصول التشريع، وتحديد ما هو قطعي، وما هو ظني، ثم وضع الأولويات والمقاصد التي لا تنحني أمام نص آحاد من أجل مصالح غير شرعية، فالتلذّذ بالأطفال جنسياً أمر غير شرعي، ويدل على حالة مرضية نفسية، فتحركوا للدفاع عن هذا الدين العظيم، وعن سيرة الرسول الأمين، مما ألحقوا به في عصور متأخرة..