د. محمد عبدالله العوين
بعد مضي يومين على بث حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمحطة CBS وتناول منصات إعلامية عدة؛ محلية وعربية ودولية القضايا والآراء التي أدلى بها في ذلك الحوار أرى أن من المهم جدًا أن نقرأ ما وراء الإجابات على الأسئلة المهمة، وماذا تحمل بعض الكلمات التي وردت في الإجابات من دلالات، والتحليل النفسي لطريقة الإجابة على الأسئلة ورد فعله على بعضها وانعكاسات وقع السؤال أو في أثناء الإجابة على الوجه أو الصوت أو الحركة، وعلى ماذا يمنحنا كل ذلك من دلالات ومعانٍ نستطيع بها أن نستوعب معاني أكثر بكثير مما عبرت عنه الكلمات.
كان من المتوقع أن يبدو بعض الانفعال من وقع السؤال عن اعتداء إيران على مصافي النفط لشركة أرامكو في بقيق وخريص؛ لما سببه ذلك الاعتداء الآثم من أذى وألم في نفس كل سعودي وفي نفس كل محب للأمن والسلام والأمن في العالم؛ فقد استطاع الأمير محمد بن سلمان السيطرة على مشاعره الوطنية المتألمة وتوجيه هذه المشاعر توجيهًا عقلانيًا متزنًا والإجابة عن السؤال الذي كان يحفر بدهاء الإعلامي عن الخروج بتصريح ناري يكون العنوان الأول في منصات الإعلام الدولية؛ غير أن الأمير تصرف أمام وقع السؤال عن رد الفعل بروح وشخصية (القائد) المتزنة والمنضبطة في مشاعرها بحيث أتت الإجابة خلاصة تفكير عميق وبحث طويل في أفضل الخيارات لمصلحة الوطن والعالم، وحملت بذكاء وفطنة وثقة معاني الصبر والقدرة على ضبط النفس وتفضيل خيار السلم وعدم توريط المنطقة والعالم في اشتعال حرب لا يعلم أحد نهايتها، وفي الوقت نفسه التأكيد على أن تكرار التصعيد من قبل إيران بعمل آثم مشابه هو تأكيد من إيران بإعلان الحرب، وعلى الرغم من أن المملكة لا تسعى لأي حرب؛ ولكنها إذا أُجبرت عليها فهي جاهزة وعلى أهبة الاستعداد، متسلحة بقدراتها وشعبها ومعها حلفاء أقوياء لمواجهة أية مخاطر محتملة.
نلحظ هنا الفارق الكبير - وإن لم يكن ثمة مجال للمقارنة - بين التصريحات الصبيانية والخطابات الهوجاء التي يتحدث بها مسؤولون إيرانيون وعلى رأسهم خامنئي ووزير دفاعه وقادة عسكريون آخرون يهددون فيها دول المنطقة والقوات الدولية التي تحمي مياه الخليج العربي وما يمر عبره من ناقلات نفط، يتحدثون وكأنهم صبية يفتقدون منطق الحكمة والمسؤولية ولا يبالون بما ستؤدي إليه مواقفهم المندفعة من مآسٍ وكوارث على بلادهم أولاً وعلى المنطقة والعالم.
وبسبب تلك الرؤى الثورية الشعوبية الكهنوتية الصبيانية تأزمت الحياة في إيران على المستوى المعيشي والاقتصادي، وفقدت خيرة علمائها ورجال أعمالها ومبدعيها إما بالقتل أو التغييب في السجون أو بالفرار والهجرة من جحيم الحياة في إيران، والصورة المأساوية نفسها في الدول التي اجتاحها المد الخميني الساحق الماحق كالعراق وسوريا ولبنان واليمن.
وحين نقارن بين كلمات سمو الأمير محمد المتزنة وإجاباته العميقة التي عبرت عن نضج في الرؤية وتصور كامل لعواقب وآثار الاندفاع خلف الصوت المرتفع أو رد الفعل السريع يتبين لنا الوزن الثقيل لقيادة المملكة ممثلة في المواقف التي تتخذها، وهو ما عبرت عنه إجابات ولي العهد التي تنظر بعين الحكيم المتبصر إلى ما سيخلفه أي قرار؛ سواء كان سلمًا أو حربًا من آثار إيجابية أو سلبية على المملكة والمنطقة والعالم.