محمد سليمان العنقري
أحد مؤشرات قياس تطوُّر التنمية البشرية هو الصحة من حيث مدى انتشار خدماتها، وجودتها. ومن بين عوامل قياس تطوُّر الدول بتوفير خدمات جيدة هو نسبة عدد الأطباء للسكان، بل حتى جميع التخصصات الصحية؛ فكل طبيب يحتاج إلى سبعة مختصين صحيين على الأقل؛ ليكملوا معه عمله من مختبرات وتمريض وغيرها؛ ولذلك تجد كثيرًا من الدول تركز على زيادة خريجي هذه التخصصات، وتتخطى المعيار العالمي الذي يضع نسبة 2.2 طبيب لكل ألف نسمة كأقل حد يمكن معه تغطية احتياجات السكان من تخصص الطب.
ورغم أن المملكة تتخطى هذه النسبة العالمية بقليل، ويوجد قرابة 100 ألف طبيب بالقطاعات الصحية كافة، لكن نسبة الأطباء السعوديين قد لا تتخطى 30 % منهم؛ وهو ما يعني أنه لو استبعدنا الأطباء الوافدين فإن نسبة السعوديين لا تتعدى 0.7 طبيب لكل ألف نسمة، وهو انكشاف مهني كبير جدًّا؛ فمهنة الطب مطلوبة عالميًّا، ويمكن أن يعود كل هؤلاء الأطباء الوافدين لبلادهم، أو يُستقطبوا لدول أخرى؛ فالسوق العالمي حُر، وكل طبيب سيبحث عن فرصة أفضل، وجميع الدول لديها حاجة لمثل هذه التخصصات؛ وهو ما يرفع من الطلب عليها، ويزيد بتكلفتها لتحفيزها على قبول العرض الوظيفي؛ ولذلك فإن علاج هذه المشكلة يكون من داخل الدول بوضع خطط متوسطة وطويلة الأمد لرفع نسبة القبول بالتخصصات الصحية عمومًا؛ وذلك لتلبية الاحتياج المحلي من المواطنين، وليس بالاستقطاب الخارجي.
إن الحاجة ضرورية جدًّا لوضع خطة متكاملة مع وجود أكثر من عشرين كلية طب وعشرات الكليات بمختلف التخصصات الصحية؛ وذلك للوصول لنسبة مستهدفة، لا تقل عن 80 % من احتياجات السوق من الكوادر البشرية بهذه التخصصات خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام؛ فعدد الكليات الصحية يؤهلها لزيادة القبول مع أهمية إعادة النظر بآليات القبول وإزالة بعض العقبات التي تحدُّ من زيادة الطلاب بالتخصصات الصحية كافة.
الجهات المعنية بهذا الأمر، وعلى رأسها وزارة الصحة، بالتأكيد أمام تحدٍّ حقيقي للوصول إلى نِسَب تعالج الانكشاف المهني بمختلف التخصصات الصحية، لكن لا بد من اتخاذ خطوات عملية، تُظهر الفَرق بزيادة نِسب القبول من هذا العام، إضافة لوضع برامج تأهيلية لمرحلة ما بعد التخرج، تستوعب جميع الخريجين؛ وذلك حتى يتم الوصول لنسب آمنة بهذه التخصصات؛ فالزمن يمضي سريعًا، وإذا لم يتم علاج هذه الإشكالية فإن الفجوة ستتسع، وسيكون حلها مكلفًا أكثر من وقتنا الحالي، وسنشهد ارتفاعًا بتكلفة استقطاب الاختصاصيين الصحيين من أطباء وغيرهم من الوافدين عامًا بعد عام؛ فنصف ميزانية وزارة الصحة تقريبًا لهذا العام تذهب للرواتب بما يقارب 30 مليار ريال، وهذا الرقم يفوق ميزانية الوزارة العامة الشاملة كل مصاريفها لعام 2007 التي كانت بحدود 23 مليار ريال، أي قبل 12 عامًا، وهو ما يدل على زيادة التكلفة بالكوادر الصحية نتيجة الطلب العالي والمنافسة على الاستقطاب عالميًّا.