عبدالوهاب الفايز
قبل أسبوعين، في خضم الأحداث، مرَّ علينا سريعًا مشروع وطني، مخرجاته تمس تحسين وتطوير حياة الناس، وبخاصة في مجال حيوي لحياتهم، هو: المسكن.
الحدث هو توقيع وزارة البلديات 5 اتفاقيات مع كل من وزارة العدل، ووزارة الإسكان، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، والشركة السعودية للكهرباء، وشركة المياه الوطنية، تهدف إلى (تحديد زمن وحوكمة جميع الإجراءات لاعتماد المخططات السكنية الخاصة خلال 60 يومًا).
نعم، هذا منجز يستحق التقدير؛ لأنه يتجه إلى خدمة مصالح الناس، ويكرس ما ينفعهم.
ما تتطلع إليه وزارة البلديات يستهدف مسارات أساسية عدة، منها تقليص (إجراءات الترخيص للمخططات السكنية التي كانت تستغرق في السابق عامين، وفي بعض الأحوال تستغرق مددًا تتجاوز ذلك). أيضًا ما تستهدفه الوزارة من الاتفاقيات هو (الإسراع في التنمية العمرانية من خلال سرعة اعتماد المخططات الحكومية، وتسهيل إجراءات التطوير، وإنشاء البنية التحتية للمخططات، وتحقيق مبدأ التعاون بين الجهات الحكومية والشركات المقدمة للخدمات العامة، والتنسيق المشترك بينها).
أيضًا من الجوانب الضرورية لتسريع فسح المخططات سرعة إخراج الصكوك الموثقة؛ لذا تضمنت الاتفاقية مع وزارة العدل (اعتماد العمل بنموذج حوكمة التحقق من الملكية، وإثبات الهوية العقارية المشتمل على مسار عام للتحقق، يتضمن قواعد ومعايير وضوابط التحقق من الملكية، ومعايير إثبات الهوية العقارية وقواعد حجيتها، على أن يكون التحقق من الملكية العقارية لدى المحاكم وكتابات العدل بمتوسط 16 يوم عمل و26 يومًا كحد أقصى).
كذلك نصت الاتفاقية الموقَّعة مع وزارة الإسكان (على مرحلة تسليم مبلغ تكلفة تنفيذ البنية التحتية للمخطط، وذلك عبر خطوات ووفق شروط وتوقيتات زمنية محددة من خلال التعاون والتنسيق بين وزارتَي الشؤون البلدية والقروية والإسكان). وشملت الاتفاقيات تطوير البنية التحتية في الاتصالات والمياه والكهرباء.
أيضًا ثمة مكاسب لقطاع الأعمال، تتوقعها وزارة البلديات لتفعيل مثل هذه الآلية لاعتماد مخططات الأراضي، مثل (إيجاد بدائل لتطوير المخططات السكنية للمُلاك والمطورين، وإعطاء المطورين والمُلاك بدائل للتمويل، والمرونة في التطوير مع سرعة الاعتماد، وتسهيل حوكمة الإجراءات).
هنا نقف على أطراف الأصابع لنقول: هذه الاتفاقيات إذا تم تفعيلها، وتم الالتزام بها، فأثرها الإيجابي سوف نلمسه في زيادة المعروض من الأراضي الجاهزة لبناء الوحدات السكنية. ولعل هذه النقلة النوعية في أداء القطاع العام تجعل أراضي بناء الوحدات السكنية مستقرة الأسعار، وعادلة، ولا تكون (سلعة مضاربة).
في سنوات مضت رأينا بكل حسرة كيف تحول غياب الأرض الصالحة للسكن إلى مشكلة أساسية، أعاقت نمو قطاع الإسكان. وكنا نرى هذه (مفارقة غريبة)، أن تصبح الأرض عائقًا للتنمية رغم المساحة الشاسعة لبلادنا، ورغم احتياجات الناس ومعاناتهم مع السكن! لذا واجبنا أن نثمن ونقدر مثل هذه الخطوات الإيجابية للحكومة؛ فالعمل على حل المشاكل الأساسية التي تواجه الناس قد يتحقق بمثل هذه الآليات والخطوات الذكية وغير المكلفة (وبدون أفكار شركات استشارية عالمية!).
وتحسين وتطوير (تجربة العميل) في قطاع التطوير العقاري الذي تعمل عليه وزارة البلديات يوازيه ويكمله جهد وزارة الإسكان عبر تنفيذ (مبادرة تحفيز تقنية البناء).
هذه المبادرة تستهدف بناء البيئة الإيجابية المحفزة والممكنة للتنمية العمرانية حتى نخرج من حلقة (التطوير الفردي) للوحدات السكنية التي ظلت تستهلك جهدنا ومواردنا، وجعلت بناء الوحدة السكنية (رحلة معاناة)، ومصدرًا للتوتر والقلق في المجتمع.
هذه المبادرة من مستهدفاتها تأسيس مسارات رئيسية للتنمية العمرانية، من أبرزها العمل على (بناء منصة وطنية رقمية)، تجمع كل الأطراف الرئيسية الضرورية لبناء الوحدة السكنية، بدءًا من التصميم المعماري الذي سوف يتيح الخيارات المتعددة لنماذج الوحدات السكنية، ومرورًا باختيار المقاول المتمكن الذي تم دعمه وتأهيله، وأيضًا تستهدف تطوير سوق حيوية وشفافة لمواد البناء. أيضًا تستهدف المبادرة تطوير التنظيمات الضرورية التي تساعد على توحيد النماذج للتصاميم الهندسية، واستكمال مواصفات الجودة لمواد البناء الأساسية، وهذا ضروري لخفض الأسعار، والاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير.
هذه النقلة النوعية لأداء وزارة الإسكان تدعمها خطوة وزارة البلديات؛ فهذه سوف تحل (عقبة رئيسية) أمام تنمية قطاع الإسكان.
إذا تحقق ما هو مخطط له عبر هذه المبادرة فسوف تتحول رحلة العذاب للناس مع بناء البيت لتكون: رحلة متعة وتعلم. نتمنى ذلك!