د.فوزية أبو خالد
كنت كعادتي قد بدأت كتابة مقالي لهذا اليوم الأربعاء مساء السبت 28-9-2019 وقد اخترت وعزمت أن أتناول فيه موضوعين، (موضوع الحيوية والسرعة في عودة العمل ببقيق وخريص بعد عدوان النظام الإيراني البشع، والموضوع الآخر موقف النظام الإيراني الدفاعي المخجل أثناء انعقاد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية بالأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من سبتمبر بالمقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك)، إلا أنني ما أن بدأت الكتابة حتى توقفت ولم أستطع أن أكمل ليلتها ولا اليوم التالي (الأحد) أو أكتب حرفاً واحداً.
لقد جاءت أنباء اغتيال اللواء عبدالعزيز الفغم فباغتتني، لفت رأسي و»جضضت» بدني وفجعتني كما فجعت الشعب السعودي فلم أستطع حقيقة أن أضيف ولا كلمة على ما كنت قد بدأتُ كتابته في المقال المزمع. ولم يطاوعني قلبي كما عصتني يدي فلم أستطع إلا أن أقفل المحمول وأفتح الجوال على مصراعيه لمتابعة الموضوع، بعد أن توقفت لأكثر من ساعة صدمة كنتُ لا أفعل خلالها شيئا إلا أن أردد، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} و»لا حول ولا قوة إلا بالله»، بل إنني كنتُ أردد كوقت الصواعق «سبوح قدوس ربنا رب الملائكة والروح»، فسبحان الله كيف لا تدري نفس بأي أرض تموت ولا في أي ساعة تموت ولا كيف تموت.. هل في وطن آمن أو في حرب طاحنة أو فيما بينهما من مواقع آمنة أو موحشة.. سبحان الله كيف يذهب غدراً من كانت يده على الزناد لرد مباغتة مشابهة منذ أن دخل بيد صلبة هذا الحقل من العمل الفدائي الصعب الذي لا يوكل إلا لقوي أمين رجل صدق وثقة عند القيادة. ولم أملك إلا أن «أتعوذ من إبليس»، كما تفضل والده برباطة جأش وجثمان ابنه لا يزال حاراً أمامه تحت أستار الكعبة مخاطباً أحد المعزين الذي انخرط في بكاء حار من زملاء الفقيد على ما يبدو.. فلذتُ في تلك الساعة بالترحم على المغفور له -بإذن الله- عبدالعزيز الفغم.. وعلى والدينا وعلى كل من سبقنا إلى دار الحق وعلى كل من ذهب غدراً... فالنفس التي جعل الله لها حرمة أن من أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً والتي جعل لها حرمة الدم والعرض والعقل والضمير لا يضيع دمها في السماء ولا في أرض وإن تجبر الناس في لحظة ظلم للنفس وللآخر على بعضهم البعض بغير حق.. «الله لا يحملنا ما لا نطيق».
أما وقد حاولت تهدئة روعي بتلك الوقفة التأملية على ألمها بالخشوع لجلال الرحمن، فقد هالتني بالعودة لمتابعة ردات الفعل والتفاعلات الخاصة والعامة من أسرة الفقيد إلى إنسان الشارع، كمية رسائل الواتساب والتغريدات والهشتاقات التي في ساعات تجاوزت أعدادها الآلاف في تناول الموضوع أو التعليق على الحدث الأليم.
وكان في الحقيقة في تنوعها مطلاً تأملياً آخر ليس فقط لتعدد المواقف واختلاف التفاعلات داخل بل وخارج المملكة من التعاطف والتلاحم إلى الترحم والتعازي إلى الذهول والتساؤل إلى من لم تمنعه هيبة الموت وجلل الوجع للأسف من خزي التشفي، ولكن أيضاً على مستوى التفكر في كيف غيلة فرد تتعدى حيزها الجنائي لتصبح موضوعاً وجودياً على مستوى عام وموضوعاً شعرياً نبيلاً عن الانثناء على الجراح على مستوى خاص مثل بيتي الشعر اللذين تداولتهما شتى مواقع التواصل، بصوت ابنة الفقيد الكبرى المتهدج المتقطر حزناً عميقاً، لا يعدم مشورة متقدمة على عاطفية اللحظة بقولها: (على ذمة المنقول عنه بتوتر):
قفلوا بعد الفغم كل المحاضر
«آه ياغبني عليه يا وجودي
عظم الله أجر حمران النواظر
والملك سلمان والشعب السعودي»
هذا بالإضافة إلى الحالة التأملية التي يخلقها التفكر بالأمر على الضفة الأخرى التي لفها غمام الحدث على أهميتها الإنسانية مما تمثل في موقف دكتور مشعل آل علي وما بني عليه من مواقف أو تجاور أو تقاطع معه.
وأختم بهذا الدعاء منقولاً بعضه من الصديقة الغالية هيفاء البكر بما حط على شاشتي فجر يوم الاثنين ففك احتباس قلمي ولوحة مفاتيحي كعادتها السخية في إرسال دعائها الفجري لي وصديقاتها كل نهار جديد.. «اللهم أبدل قلقنا طمأنينةً وترقبنا أمناً وهمنا فرجاً وسخطنا رضا وضيقنا سعةً وضعفنا قوةً وظلمنا لأنفسنا أو ظلم الناس لنا عدلاً وعسرنا يسراً وكسرنا جبراً واجعل وطننا عزيزاً منيعاً في أرضه وناسه إنك لطيف خبير على كل شيء قدير».