فوزية الجار الله
اهتزت الأرض، شعرنا بها سريعة وخاطفة مثلما صاعقة عابرة..
رأيت الجدران تهتز قليلاً يمنة ويسرة، شعرت بما يشبه الدوار الخفيف قليلاً، كانت حولي سيدتان اثنتان، كنا قد انتهينا للتو من معابثة الماء، كنا نستمتع بالمياه الزرقاء في المسبح الكبير بعضنا متمرس في السباحة وبعضنا الآخر يحاول التعلم، يتخلل ذلك وقفات وأحاديث وضحكات متبادلة..
اهتزت الأرض، شعرنا بها لحظة كأنما هي دهر، لذلك الخوف الذي بدا واضحًا في نظرات أعيننا، أطلت علينا السيدة مشرفة النادي الرياضي من عتبة الباب الخارجي تقول لنا بالتركية «بسرعة يا نساء» وهي تشير إلينا بالانطلاق خارجًا، أنهينا ارتداء ثيابنا سريعًا وانطلقنا خارجًا.. كنت في اسطنبول حين حدثت الهزة الأخيرة ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بمثل ذلك، فقد حدثت هزة أرضية عام 2008م في مدينة شفيلد (في المملكة المتحدة) أثناء دراستي هناك، حدث ذلك ليلاً، كنا نستغرق في النوم فجأة شعرت بأن السرير تحتي يهتز يمنة ويسرة ظننتني أرى كابوسًا أيقظني، فتحت عيني أحاول استيعاب ما يجري، انفتح باب الغرفة فجأة، كان ذلك ابن شقيقتي الشاب - الذي يرافقني ويشاركني الدراسة والسكن- كان خياله واضحًا رغم ظلام الغرفة وهو يقول لي: .. زلزال، سمعت الجيران يصرخون قائلين: «زلزال».. نهضت سريعًا فللمرة الأولى في حياتي أواجه مثل هذا الحدث: سألته ماذا نفعل ونحن في الدور التاسع؟! قال: نصلي ركعتين. قالها بمنتهى العفوية بالرغم من أنه لم يكن شديد التدين لكنه يؤدي الفروض، بل كان شابًا عاديًا مجتهدًا في حياته الطلابية، لكنه يحمل طموحات وأحلام الشباب في مثل عمره، وما هي إلا لحظات حتى هدأت الأمور..
أعود إلى حديثي حول هزة اسطنبول، انطلقنا خارجًا، انتشر الكثير من سكان المجمع في الحدائق الخارجية، كانت الساعة تشير إلى ما قبل الثانية ظهرًا بدقائق، وانطلق آخرون بسياراتهم للاطمئنان على أبنائهم في المدارس، تعثرت شبكة الاتصالات، لم تعد الهواتف تعمل كما يجب ربما لانشغال كافة الخطوط لحظة فالجميع هرعوا إلى هواتفهم الخلوية، رأيت جارتنا الشابة تبكي فقد كانت وحدها في الدور السادس والعشرين، من دون أبنائها وزوجها، وقد فاجأتها الهزة بشكل واضح جدًا مما جعلها تشعر بالهلع، أصبح السكان مثلما عائلة واحدة الكل يسأل والكل يحاول التماسك والمساعدة، يتبادلون الأحاديث بعفوية مع الجميع، من يعرفون ومن يجهلون..
الحمدلله، هي لحظة بدت مثلما جرس إنذار لإيقاظ الغافلين والجاهلين والظالمين، لكن ماذا لو استمرت هذه الهزة؟ ماذا لو كانت هي لحظة مغادرتنا جميعًا لهذه الحياة؟ ماذا لو كانت هي الختام لكل الطموحات والأحلام؟ ماذا لو كانت هي اللحظة التي تطوى فيها سجلاتنا؟ يا الله.. هي لحظة تشعر فيها بضعف الإنسان وقلة حيلته مهما بلغت قوته، هي لحظة التسليم والإيمان بأن لا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم خالق هذا الكون. {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا. وَأخرجتِ الأرض أثقالهَا} سبحانك يا الله.