د. حسن بن فهد الهويمل
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون}. الحياة أخذٌ وعطاء, محكومة بنظام مُرْتَضَى, ومصالح مشتركة, لا مناص من احترامها, والعمل على ضوئها.
ولكي تستقيم الأمور لا بد من سلطة تعرف ما لها وما عليها، وتعرف كيف تمارس حقها بمنطق العقل, وميزان العدل. لا تتعدى إلى التسلط, ولا تدع الأمور تتفلت من بين يديها, فتحصل الفوضى الهدامة. التوازن في كل شيء سبيل الهدى, والرَّشاد, والسداد.
ساعة واحدة بلا سلطة تعدل سنة فساد, وفوضى هدامة. و(من مَاتَ وليس فِي رَقَبَتِهِ بَيْعَةٌ ماتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).
الإسلام عرف للسلطة أهميتها, ومكانتها, وخطورة تغييبها, حتى بين الاثنين؛ ولهذا وضع الضوابط, والحقوق, والواجبات, وأعطى للجميع مساحة من التسامح لمراجعة النفس, ومحاسبة الأداء.
هناك (دولة) و(حكومة) الدولة تُشَرِّع, والحكومة تنفذ, والأمة: تنعم, أو تشقى.
لقد كشفت مواقع التواصل الاجتماعي عن تجاوزات مخلة بآداب الحوار, والنقد.
المتحجبون عن الأنظار في مواقع التواصل يخوضون في الأعراض, وينتهكون المبادئ, ويَهُزُّون الثوابت. وهم نكرات, جهلة, لا يعرفون حدود الحوار الحضاري, والمساءلة المحتشمة؛ ولهذا يفسدون في الأرض, ولا يصلحون, ويَحُولون بسفاهتهم دون نزول العقلاء العالمين, المجربين, الذين يزنون الكلام, ويحترمون الخصوم.
وإذا مَا خلا الجاهل بِمَوقعٍ أسَفَّ القول, وافترى الكذب.
(المسؤول) تحت المساءلة, والنقد, والتقويم. وليس من حق أَحَدٍ أن يسمو بنفسه فوق ذلك, ولا أن يُزكِّي أحَدٌ نفسه. ولكن له حق الاحترام, والاحتفاظ بحقوقه, وكرامته.
هو مسؤول, والمسؤولية عَمَلٌ, وتَنفيذٌ لتوجيهات (الدولة), قد يخطئ, وقد يقصر, وقد تثنيه بعض المعوقات. ومع كل ذلك يظل مسؤولاً على رأس العمل, نحاسبه, ونقوِّمُه, ونسائله, دون افتراء, أو سخرية, أو همز أو لمز.
و(الدولة) من ورائه ترصد, وتتابع, وتقوِّم, وتجس نبض الشارع, وتتحسس المشاعر, فإن صدق المواطن في نقده, وأجمعت الكلمة على إدانته، نُبِّه إلى وضعه, فإن استقام, وإلا أقيل.
المهم أن يكون الناقد عاقلاً, عالماً ببواطن الأمور, منصفاً, صادقاً فيما يقول, بعيداً عن السخرية, والاستهزاء, والافتراء.
في سفاهة القول إضاعةٌ للحقوق, وانتصارٌ للمقصر, وتثبيطٌ للعزمات. وهذا ما لا يريده العقلاء.
ما نراه من (تغريدات) مسفة, وأقوال فجة, وتطاول على سمعة المسؤول يُعَدُّ تبديداً متعمداً للحقوق, وإضاعة للجهد, والوقت, والسمعة. ومن المؤسف أن هذا التهريج يسود الكثير من المشاهد.
الخطأ, والتقصير, والمماطلة, وسوء الأداء متوقعة من كل مسؤول. وواجب المواطن المخلص المتابعة, والمساءلة, ومساعدة الدولة على إنجاز مشاريعها. ولا يتم ذلك إلا بالوعي, والصدق, والعدل, والإنصاف, وإعطاء كل ذي حق حقه.
المسؤول قد يكون معذوراً في التقصير:-
(لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا, وأَنْتَ تَلُوْمُ).
وحين تكون المساءلة محتشمة, ومهذبة, يكون المسؤول مستعداً للحوار, والكشف عن ظروف الأداء.
أنا لا أتوقع تعمد الخطأ, والتقصير من المسؤول، وبخاصة في ظل الممارسة الفعلية لمحاربة الفساد, التي بدأت من القمة.
قد يكون المسؤول دون مستوى مسؤوليته, ومن ثم تبادره (الدولة) بالإعفاء. فالاختيار قد لا يكون موفقاً مما يترتب عليه: الخطأ, والتقصير.
وحتى في هذه الحالة لا تجوز السخرية, ولا يجوز الافتراء. كل الذي يريده المواطن أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب.
(الدولة) لن تُقَدِّم مسؤولاً إلا إذا توافرت لديها المعلومات الكافية عن أهليته. قد تكون المعلومات خاطئة, أو ناقصة, ومن ثم تفاجَأ (الدولة) بما ليس في الحسبان. وقد تحاول (الدولة) إتاحة أكثر من فرصة لتفادي الخطأ, والتقصير, وحين لا تستقيم الأمور تُسارع بتغيير الوضع, وإن ترتب عليه تغيير الأشخاص.
نحن جميعاً: دولة, وحكومة, وشعباً.. بشر يجري علينا ما يجري على البشر من نقص, وتقصير. فمن ادعى العصمة, والملائكية, كمن ادعى الفساد, والشيطنة سواء بسواء.
ما لا أوده الثقة الزائدة المطلقة؛ لأنها تغري المسؤول, بحيث لا يبالي بالرقيب, ولا يهتم بالنقد, والمساءلة, بل تراه يرد على مخالفيه بِفَوقِيَّة, وكأنه مطلق اليد, يعمل ما يشاء.
لا نريد هذا, ولا ذاك. نريد مسؤولاً واقعياً, يدرك إمكانياته, ومواطناً هو الآخر يضع كل الاعتبار للواقع, والإمكانيات المتاحة. فمن جهل نفسه وواقعه أتى بالعجائب.
لا عمل مع المثاليات, ولا عمل مع الإحباطات. التوازن, ومعرفة الذات, والإمكانيات طريق النجاح, والسلامة.
الكلمة: عمار, أو دمار. فمن تداولها بحقها أسهم في الاستقامة على الحق, ومن امتطاها لأغراضه الدنيئة أفسد, ولم يصلح {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد}.
إشكالية العصر أن التقنية الحديثة كشفت عن السيئات, والحسنات. والإنسان مخبوء تحت لسانه؛ لا يزال حراً حتى يتكلم, فإذا تكلم أَسِرته كلمته, وكشفته.
(تَكَلَّمْ حَتَّى أَرَاك).
الدين حث على الكلمة الطيبة, والقول السديد, وطالب بقول الحق:- {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ }. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}. {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. كل الناس الطيب, والرديء.. المسلم, والكافر.
لا نريد لهذه التقنية أن تكون وبالاً علينا:-
(أَتَوا أَهْلَهم بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّناً... فَيَاليْتَكُم تَأْتون بِالكَلِمَاتِ)
لقد سِيء استعمال التقنية, وشاعت الكلمة الخبيثة على ألسنة نكرات متقنعين, يرونك من حيث لا تراهم, يقولون منكراً من القول وزورا. فإذا جاريت هذا الصنف كنت مثلهم:-
(إِذَا جَارَيْتَ فِي خُلُقٍ دَنِيء... فَأَنْتَ وَمَنْ تُجَارِيْهِ سَوَاءُ)