د. أحمد الفراج
تحدثنا في المقال الماضي عن الاحتفاء بالإرهاب، الذي مارسته إيران وخلاياها بعد حادثة بقيق، وقلنا إن الرئيس ترمب قرّر أن لا يتنازل عن دور التاجر والسمسار، حتى والأمن العالمي برمته يتعرَّض للخطر، وهذا مفهوم لمن يتابع مسيرته، منذ أن دخل البيت الأبيض، وحديثنا اليوم سيكون عن الأوروبيين، وعندما نتحدث عن الأوروبيين، فإننا نتحدث حتماً عن بريطانيا وألمانيا وفرنسا، والذين طالما كتبت أنهم لا يكترثون بأمن العالم، فمصالحهم التجارية تأتي على رأس كل الأولويات، فهم قد ساهموا بإنجاز اتفاق أوباما النووي، ولم يكونوا سعداء، عندما انسحب ترمب من ذلك الاتفاق، ولئن كان الموقف الفرنسي واضحاً وصريحاً في مسألة دعم إيران، فإن موقف ألمانيا وبريطانيا يميل للمراوغة، وإن كان لا يبتعد كثيراً عن الموقف الفرنسي، فهما يحاولان الموازنة بين إيران وخصومها في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.
بعد حادثة بقيق الإرهابية، تلكأ الجميع في اتخاذ موقف يتناسب وحجم خطورة الحدث، وفي نهاية المطاف، أدرك الأوروبيون أنه لا يصح أن يسجِّل التاريخ أنهم لم يشجبوا إرهاباً بحجم حادثة بقيق، فأدانوا الحادثة ومن كان وراءها، ولكنهم توقفوا هنا، واستخدموا لغة مخاتلة وناعمة، ثم انطلق رئيس فرنسا، إمانويل ماكرون في مهمته الوحيدة، أي إنقاذ إيران، كما فعل عندما فعل المستحيل لإنقاذ اتفاق أوباما النووي، وصار لا حديث للإعلام إلا جهوده لجمع ترمب بروحاني، وبدا ماكرون بالفعل كمستشار للمرشد الأعلى الإيراني، أكثر منه رئيس لقوة أوروبية عظمى، وغني عن القول أن نظام الملالي بذر مشروعه على الأراضي الفرنسية، ثم نقلت فرنسا شتلة المشروع ( الخميني) إلى طهران، ومنذ ذلك التاريخ، وفرنسا تقدّم مصالحها التجارية مع إيران على أي شأن آخر، حتى ولو كان هذا الشأن هو أمن واستقرار العالم، والخلاصة، هي أن إيران مارست إرهاباً يهدّد العالم أجمع، فتخاذل ترمب، واستغل ماكرون ذلك، فحاول جمع الشيطان الأكبر مع عدوه اللدود، ولكنه فشل، ولن ييأس!