أ.د.عثمان بن صالح العامر
أعلم أن هذه المقولة لا يصح نسبتها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما قال بذلك البعض- وليس في هذا العنوان دعوة لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما هو في دائرة المستطاع - كما هو ظن البعض الآخر واعتقاده -ولكنها- على العموم - صحيحة ومناسبة لتكون عنواناً لهذا المقال حين يكون المراد منها مجرد تأكيد وتذكير بواجبنا جميعاً في هذه الأيام (السكوت الفعلي عن تناقل وتداول الأخبار المفبركة أو المضخمة والمبالغ فيها التي هي من باب الباطل الذي يراد منه توهين قوانا الداخلية، وزعزعة صفنا المتراص، وضرب قاعدتنا الشعبية بمقتل، وهز ثقتنا المطلقة بولاة أمرنا وقادتنا -حفظهم الله وحرسهم ورعاهم-).
إننا في حرب حقيقية لا تخفى، وأعداء الوطن أياً كانوا سياسيين وعسكريين واعتقاديين فكريين واقتصاديين و... يتربصون بِنَا في كل منعطف، ويحاولون جهدهم توظيف كل حدث يقع لصالحهم حتى ولو كان بعيداً عن رحى الحرب الدائرة أواروها، وربما نسبوا ما صار لمواطن ما، أو حدث في موقع ما من أرض بلادنا الغالية لهم من أجل تضخيم العدو في عيوننا، وزرع الشك في نفوسنا، وتضخيم الأخطار التي تحدق بِنَا، ومتى تناقلنا هذه الأخبار وتداولناها وربما جلسنا نحللها ونعلق عليها ونسأل عنها صرنا بلا شعور أو إرادة منا طابوراً خامساً في صف العدو، وتحقق له ما يريد من إشاعة هذا الباطل بين الناس وانشغالهم به، وسريانه بينهم بكل انسيابية وسهولة ويسر، ودخوله في مفاصل رؤيتهم للأحداث الحالي منها والمستقبلي على حد سواء، وربما وصل بِنَا الحال جميعاً إلى وقوعنا في دائرة الهزيمة النفسية التي تفعل فعلها في مثل هذه الظروف التي نعيشها وكما قال من سبق (نصف الحرب هيلمه).
كما أن من الأهمية هنا الإشارة إلى أن من الكياسة والفطنة أن نعي أنه من الضروري إدراك خطورة الخبر أياً كان في مسار الأحداث، ولذا ليس كل ما يعلم يقال حتى ولو كان صحيحاً، فقد يكون من المناسب إخفاء معلومة لديك ذات مساس بالأحداث حتى ولو من طرف خفي، لما لها من أثر سلبي في هذا الوقت بالذات، ولذا فما المستحسن الاقتصار في تلقي الأخبار من مصادرها الموثوقة المخولة بالتصريح والتحدث التي تعرف متى وأين وكيف ولماذا يقال هذا الخبر ويسكت عن الآخر وهكذا.
لقد سهل في عالم اليوم تناقل الإشاعات وتداول الكذبات حتى صارت الحقيقة في كثير من الأحيان غريبة، بل صارت هي الباطل في نظر البعض جراء قوة الفذلقة والسفسطة في تسويق الكذب والترويج للباطل للأسف الشديد، ولذا وجب التأكيد هنا على الميل للسكوت والتزام الصمت الحكيم لما للكلمات والتغريدات والروايات والتحليلات والتبريرات والتكهنات والإسقاطات الاجتهادية الذاتية من خطورة قاتله في خاصرة الوطن متى ما وجدت لها سوقاً رائجة بيننا فلنمت الباطل بالسكوت، ولنضعف المتربصين بِنَا الدوائر بالإعراض، حفظ الله عقيدتنا وحمى بلادنا وأدام عزنا ووفق قادتنا ونصر جنودنا وحرس حدودنا وجعلنا كما نحن شعب متكاتف متعاون يقف صفاً واحداً خلف قيادته يبذل الغالي والرخيص من أجل حماية وطنه وسلامته والدفاع عنه، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.