عبد الله باخشوين
** (البروج المشيدة).. القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر.. للورنس رايت، الصادر ة طبعته الإنجليزية عام 2006.
ويستلهم عنوانه قوله تعالى في سورة (النساء).. {يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}.
وهو تحقيق صحفي موسع تم بلقاءات مع عدد كبير من الأشخاص الذين يفترض أنهم عاصروا الأحداث لكنه ليس موضوعنا هنا ولم يستوقفنا فيه سوى (عنوانه) فقط.. رغم أنني قرأت الكتاب عن طريق المرحوم الأستاذ تركي السديري بعد أن حدثني عنه كثيراً الزميل الأستاذ ناصر الحزيمي وقدمت نسختي الخاصة للمهندس الدكتور عمر مشعبي لقراءتها مع كتاب (عمارة الفقراء) للمهندس المعماري حسن فتحي.. ويبدو أنه احتفظ بالكتابين لأجل غير مسمى.. المهم، نعود لـ(البروج).. وأعني (معمار الأبراج).. إذا صح التعبير.. الذي نجد أنه قد أخذ في الانتشار خلال العشرين عاماً الماضية.. وكما استلهم لورنس رايت عنوانه عن سقوط برجي نيويورك الشهيرة من آية كريمة نجد أن القرآن الكريم.. هو الوحيد في كتب الديانات الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلام.. الذي وردت فيه آيات واضحة ومحددة تشير إلى إعجاز خلق السموات والأرض.. وخلق الإنسان من (طين) وإعجاز بعثة يوم النشور بآيات اختص بها نفسه -سبحانه- بـ{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}- (البروج، آية 13)..
وآيات كثيرة تؤكد إعجاز قدرة الخلق وإعادة الخلق.. والبعث.. ويأتي إلى إعجاز خلق السماء فيقول في سورة الحجر من الآية 16 إلى الآية 18: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ}، ثم يأتي هذا الإعجاز مفصلاً في سورة (الصافات). فيقول سبحانه: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}.
ويستوقفنا قوله تعالى عن صلف وغرور فرعون في الآية 36 و37 من سورة غافر: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}.
هنا لا أريد لأحد أن يقول إنني (أتفيقه في الدين)، حاشا لله فبلادنا فيها طليعة علماء الإسلام قاطبة أدامهم الله ورعاهم.
غير أني عندما أنظر لـ(بروج) أو (صروح) أصبحت (مشيدة) لأسباب لا علاقة لها بأسباب تشيد ما قلدته من تصاميم ناطحات السحاب التي تم بناؤها لدواعٍ اقتصادية، ومن شركات كبرى يصل عدد العاملين بها لعدة آلاف.. وسعر (متر الأرض) فيها يصل إلى مبلغ خيالي ويصل سعر بعض (الشقق) إلى عدة مئات من الملايين، وأصبح فيها العمران (العمودي) ضرورة وليس رفاهاً و(فشخرة) بالثراء.. من هنا يأتي النظر لدولة مثل (قطر) باستغراب تشييدها كل هذه الأبراج وأتساءل (لمن شيد كل هذا).. طيب يا عمنا.. تقول (كأس العالم).. وتقول (إن كل هذا شيد لإقامة مدتها شهر).. نقول (طيب وبعدين..!! من فين تجيب ناس يسكنوها.. ومن يقول إنك ضمنت استضافة كأس العالم أصلاً؟!).
وهل يتلاءم كل هذا مع طبيعة تقاليد وعادات السكان الأصليين لقطر.. وبمعنى آخر نجد أنه لم يبق سوى المملكة ودولة عمان الشقيقة التي لم يصعد فيها العمران (عمودياً) بطريقة فجّة ومشوهة لكنه يمضي في محاولة فرض وجوده بطريقة متوازنة لا تخل بمتطلبات البيئة المحلية ولا تتناقض مع معطيات حياة مواطنيها.. والمملكة -على سبيل المثال- خطواتها تتسارع في تنفيذ مشاريع الإسكان دون أن تعتمد بناء أبراج تكدس فيها الناس. لكنها اعتمدت خيارات إنسانية لا تلغي الجماليات ولا تناقض البنية الاجتماعية.
من هنا تأتي أهمية بناء المدن الجديدة المستحدثة بتفاصيل ذات رؤية حديثة تناسب متطلبات حياة السكان والزوار المستهدفين، وإن كنا نرى أن التوسع العمراني الجديد في مصر مثلاً هو خطوة تطويرية لامتداد حياة مكتظة بالبشر فإننا نرى أن مشاريع المملكة التي يرعاها ولي العهد زين شباب العالم الأمير محمد بن سلمان تقوم على قواعد مستحدثة بالكامل وتنطلق من رؤية جديدة تناسب متطلبات الحياة العصرية تحقق كل متطلباتها العمرانية والتقنية.. وتؤسس قواعد مستقبلية وفق أساليب تجرب -ربما- لأول مرة لا ينتج عنها (عزل) الإنسان في محيطها لكنها تهدف إلى وضعه في معطيات التحديث بشكل حيوي ومباشر.. بعيداً عن تعقيدات الحياة التقليدية التي نطمح ليجاوزها في كل مدننا التقليدية القائمة عبر تاريخ بلادنا العريق والممتد عبر الزمن.
أما تصاعد (البروج) العشوائي فهو ظاهرة تدفعنا للكتابة عنها وبالطريقة التي تقدمت.