د.عبدالله بن موسى الطاير
منذ أعلن الرئيس فرانكلين روزفلت 1942م، وبدون مقدمات، وبدون طلب سعودي، ووسط استغراب من توقيت إعلانه، أن أمن المملكة العربية السعودية هو جزءٌ من الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات بين الدولتين تزداد صلابة، وتصمد أمام عدد من الاختبارات التي مرت بها. يمكن تذكُّر قطع النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عام 1973م، وخوض الدولتين الحرب الباردة سوية ضد الاتحاد السوفييتي، وهجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي صُممت لضرب البلدين ببعضهما، وفشلت بسبب عمق العلاقات السياسية والروابط الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية. وحاليًا تمرُّ بواحد من المنعطفات الخطيرة بسبب الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو في بقيق وخريص.
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت مزعجة بسبب توقيتها. ففي حين كان الرأي العام السعودي ينتظر دعمًا أمريكيًّا غير مشروط بالدفع، خرج في غير مرة مطالبًا بمقابل مالي في وقت لا يحتمل مثل هذا الخطاب الذرائعي الذي يستجدي به مشاعر الناخب الأمريكي، ويقدم نفسه على أنه أتى بما لم يستطعه الأوائل.
تكرار هذا الخطاب المستهجن يثير سؤالاً عن دول أخرى غنية في الخليج أمثال الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، التي لم يطالبها الرئيس بدفع المزيد من الدولارات مقابل الحماية الأمريكية؛ فهل الآخرون يدفعون بدون طلب، والسعودية تتمنع؛ ولذلك يلح عليها في الطلب؟ أم أن شهية هذا الرأسمالي المفتوحة لا تشبعها سوى الثروة السعودية؟ وفي كل الحالات فإن المملكة ودول الخليج لا تحصل من الولايات المتحدة الأمريكية على شيء بالمجان؛ فهي لا تشبه إسرائيل، ذلك الحليف المكلف اقتصاديًّا وسياسيًّا، أو أوكرانيا التي تحميها أمريكا بمئات المليارات.
وعلى الرغم من تصريحات الرئيس ترامب التي لم يسبقه إليها رئيس أمريكي في تاريخ العلاقات السعودية - الأمريكية فإن أمريكا والمملكة تبقيان صديقتَين استراتيجيتَين، تعتمد كل منهما على الأخرى في الكثير من شؤون أمنهما الداخلي ومصالحهما الخارجية. هناك «تخادم استراتيجي»، تأكد بمرور الوقت، واختبرته العديد من الأحداث. الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو - على سبيل المثال - يُعتبر واحدًا من التقاطعات الحيوية بين البلدين؛ فاستهداف بقيق وخريص هو في حقيقته استهداف للولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، والاقتصاد العالمي بالدرجة الثانية؛ إذ بعد أن فرضت أمريكا عقوبات قاسية على نظام ولاية الفقيه تعهد بدوره بأنه إذا لم يصدِّر نفطه فإن أحدًا في المنطقة لن يتمكن من التصدير.
اتصال الرئيس الأمريكي، وزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة المملكة، واتصالات المسؤولين الأمريكيين بنظرائهم السعوديين، وتشديد الخناق بالمزيد من العقوبات على النظام الإيراني، جميعها مؤشرات تؤكد أن البلدين يتمتعان بالمستوى نفسه من الأهمية عند بعضهما، بغض النظر عن التصريحات غير الرشيدة التي تصدر عن الرئيس. وأخذًا بما يصدر عن الرسميين في كلا الجانبين يمكن لنا التأكيد أن التنسيق بينهما في أعلى مستوياته رغم التصريحات الرئاسية. أي تكهنات خارج هذا الإطار هي مجرد تحليلات، لا تعتمد على حقائق بقدر تصديرها آراء، وربما أمنيات. المملكة لن تنزلق إلى حرب تدفع بها أمريكا للانتقام من التعنت الإيراني الذي استنكف عن إبرام صفقة مع الرئيس ترامب، كما أنها لن تبادر إلى إنقاذ الرئيس الذي يتعرض لمحاولة عزله من الرئاسة بافتعال حرب في الخليج، توحِّد الكونجرس خلف الرئيس. والسعودية أيضًا لن تستجيب للاستفزاز الإيراني الذي يبحث عن حرب مباشرة، تنقذه من الانهيار الداخلي الحتمي فيما لو استمرت العقوبات الأمريكية بهذه القسوة.. إلا أن المملكة، مع أخذها في الاعتبار استبعاد خيار الحرب، لن تخلق فجوة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. الرد على الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له شركة أرامكو في بقيق وخريص آتٍ لا محالة، وسيكون سعوديًّا أمريكيًّا، وربما دوليًّا، ولكن ماهية الرد (عسكريًّا أو غير عسكري)، وتوقيته، متروكان لنتائج التحقيق. لا أجد أبدًا شبيهًا لما حدث سوى الهجوم الياباني على بيرل هاربر عام 1941م، وقد انتظرت أمريكا 3 سنوات لترد ردًّا ماحقًا، أدى إلى استسلام اليابان، وانعتاق شبعها. ويقيني أن التريث في الرد على مَن يقف خلف هجوم بقيق وخريص لا يعني بحال من الأحوال أن الرد لن يصل ليد الفاعل إن عاجلاً أو آجلاً.