عمر إبراهيم الرشيد
للإبداع أكثر من وصف وتعريف، منها التفكير والتعامل مع المألوف أو معالجته بطريقة غير مألوفة، إنما تجمع كلها على أن الإبداع هو الإتيان بالجديد غير المسبوق، وهو ما يفيد البشر وعالمهم، لا ما يضرهم أو يفسد أياً من مكتسباتهم. وبالمناسبة فلعلكم تسمعون هذه الكلمة (إبداع أو فلان أو فلانة أبدعا) يومياً في سنواتنا الأخيرة، إذ صار يلوكها الكثيرون حتى من إعلاميين أو كتّاب لوصف إنجاز جيد أو مفيد، لكنه لا يصنف على أنه إبداع وذلك لأنه لم يستوف شروط الإبداع، إنما صار هذا الوصف مشاعاً؛ وذلك من ضحالة المعرفة باللغة والثقافة العامة بكل صراحة.
بعد هذه المقدمة، هناك أمثلة وقصص لا تحصى عن الإبداع والمبدعين، لكني أورد هنا طرفاً منها.
فقد غرقت سفينة محمّلة بالمواشي قرب الشواطئ الكويتية في الستينيات الميلادية، ولم يكن يتوفر آنذاك المعدات اللازمة لرفعها من قاع المياه، وبعد حيرة وأخذ ورد، تم جلب مستشار (مبدع) فطلب آلاف الصناديق (أو الكراتين) من كرات تنس الطاولة (بنج بونج) وكلّف العمال بإنزال تلك الصناديق تحت الماء وفتحها وإخراج كرات التنس في بطن السفينة، وبما أن كرات التنس مجوفة ومفرغة من الهواء، فبمجرد إفراغ الصناديق منها بدأت السفينة بالارتفاع تدريجياً مع تزايد إطلاق تلك الكرات حتى طفت السفينة تماماً فوق سطح الماء. هذا الرجل فكر في حل لانتشال السفينة من قاع البحر، فابتدع طريقة غير مألوفة وبوسائل مألوفة ولعل هذه القصة أبسط مثال لتعريف الإبداع، فمن خطر على باله في وقتها حل كهذا إلا هذا الرجل الذي لم تشر القصة إلى اسمه أو جنسيته، لكنه مبدع حقاً.
في المقال القادم سوف أورد قصة إبداع أخرى مع عرض لأحوال المبدعين وطبائعهم الغريبة، فتلك القصص محفزة للبعد عن التعقيد والتكلّف ومنح العقل حرية التنفس، فبعض الأحيان تكون الحلول لمشاكلنا واحتياجاتنا أمامنا وبين أيدينا، لكن تصويب أنظارنا إلى الأعلى أو البعيد يصرف عقولنا عنها، دمتم في رعاية العزيز القدير.