إبراهيم بن سعد الماجد
كل عام تحلُّ فيه ذكرى توحيد بلادنا نقف وقفة تذكُّر.. وقفة شكر لله على ما نعيشه من عزٍّ ورغد عيش واستقرار.
ذكرى العقود الثمانية ونيف تذكّرنا بآباء وأجداد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل بناء وطن عصيّ على كل عدو وطامع، وطن شعاره توحيد الله الواحد الأحد، ودستوره الكتاب المنزَّل وسُنة خير البشر.
دعوني فقد هامَ الفؤادُ بحبِّهِ
وما منيتي إلا الحياةُ بقربهِ
فليسَ لهُ بينَ البلادِ مُشابهٌ
وكلُّ بني الإسلامِ تحدُو لِصوبهِ
ومعروفُه عمَّ البلادَ جميعها
وطافَ نواحي الكونِ ماحٍ لكَربهِ
يا وطني تفدي ترابَك أنفسٌ
تجودُ بلا خوفِ المماتِ وخطبهِ
جمالٌ بهِ في السَّهلِ أو بجبالهِ
وسحرٌ لرمْلٍ لامعٍ فوقَ كُثبهِ
ووحَّدهُ عبدالعزيزِ بِجُهدِهِ
وجُندٍ لهُ شقُّوا الطريقَ لدربهِ
شمالٌ غدا جزءًا لبعضِ جنوبهِ
وآلفَ شرقاً قد تناءى وغربهِ
وأبناؤهُ ساروا بنهجِ أبيهِمُ
فصانوه من أيدٍ تهاوتْ لحربهِ
وصرْنا نفوقُ الغيرَ فيه تقدماً
وجزْنا بهِ الجوزاءَ في ظلِّ ركبهِ
بهِ قبلةُ الدنيا بمكةَ بوركتْ
وقدْ شعَّ نورُ الحقِّ من فوقِ تُربهِ
كذا طَيْبَةٌ طابتْ بِطِيبِ نبيِّنا
وآلٍ كرامٍ واستنارتْ بصحبهِ
وفيهِ رياضُ الحُسنِ تبدو بحسنها
تَطوُّرها فاقَ الجميعَ بوَثبهِ
ومملكتي فيهِ تُطِلُّ بِدِلِّها
وحلَّق فيها الحسنُ زاهٍ بثوبهِ
لنا ملكٌ قادَ البلادَ بحكمةٍ
تَرَقَّى بنا للمجدِ غايةَ دَأبهِ
تَزِينُ وزادتْ رِفعةً وتألقا
وفيهِ تَسَامتْ واستطابتْ لِطيبهِ
مليكٌ لهُ في القلبِ أوسعُ منزلِ
هو الوالدُ المحبوبُ مِنْ كُلِّ شعبهِ
ويسعى إلى العلياءِ دوماً شعارهُ
فلا خابَ منْ يسعى ويُرضِي لِربهِ
فيا ربِّ باركهُ وباركْ جهودَهُ
ويسِّرْ عسير الأمرِ سهِّلْ لِصعبهِ
علي عبدالله الحازمي الذي عدّد محاسن هذا الوطن العظيم، وكأنه يقول إن بلادنا تتميز عن كل بلاد الدنيا.. وما قال إلا الحقيقة، وما تجاوز الحق.
بلادنا لا نجاوز الحقيقة إذا قلنا عنها إنها تتميز فعلاً عن بقية بلاد العالم.. صفاء عقيدة، طهر أرض، حسن قيادة، التفاف شعب، وأنّا لك أن تجد بلاداً تتمتع بكل هذه الصفات؟ وهناك من المحاسن ما لم نأتِ عليها؛ فالله الحمد ومزيد الشكر.
وطني.. وذاكرة الطفولة لم تزل
في حيرة تستجوب الفخارا
من أنت؟ وانتصب السؤال سفينة
من أنت؟ وارتفع الشراع حوارا
وطني.. أفتش في فصول دراستي
فأراك أضيق ما تكون مدار
ما لم يقله (النحو) أنك (فاعل)
(رفعته) أذرعة الرجال منارا
ولعل أستاذ الخرائط حينما
رسم الخطوط وحدد الأمصارا
لم يدر أنك لا تحد برسمة
كالشمس حين توزع الأنوارا
ما أنت يا وطني مجرد طينة
فأصوغها لطفولتي تذكارا
حاشا.. ولست ببقعة مربوطة
قيد المكان أقيسها أمتارا
بل أنت يا وطني مدى حريتي
في الأرض حين أعيشها أفكارا
وهنا حدودك في المشاعر داخلي:
مقدار ما نحيا معاً أحرارا
مقدار ما نعطي التراب حقوقه
في المبدعين فيبدع الأزهارا
مقدار ما نهب البنفسج فرصة
يمحو الذنوب ويغسل الأوزارا
مقدار ما (نجد) تهب لـ(عرضة)
فتدق (أبها) الطار والمزمارا
مقدار ما (الأحساء) تحضن (طيبة)
في نخلة حملت هواك ثمارا
هذي البلاد وهذه أبعادها
حبا يضيف إلى الديار ديارا
وأعز ما في الحب أن شقاءه
قدر يوحد حوله أقدارا
وهنا الشاعر عبدالرحمن العشماوي يتغنى بالوطن مؤكداً هذه اللحمة الوطنية الفذة بين كل جهاته الأربع، وذلك في صورة شعرية بديعة:
سلامٌ رياضَ الحب من قلب شاعرٍ
يزفُّ مع الأوزانِ شَدْوَ البلابلِ
سلامٌ، إذا قيل الرياض تجسَّدتْ
لنا صورةٌ من عقدنا المتكامِل
ولاحَ لنا أقصى الجنوب مصافحاً
بكفِّ الرضا والحب أقصى الشَّمائلِ
إذا نطقت جازان بالحبِّ أمَّنت
حجازٌ ونجدٌ وانتشى قلبُ حائل
وإن سطّرت كفَّا تبوكٍ رسالةً
تلَتْها على أبها ربوعُ محائلِ
وتختالُ في كفِّ الجبيل صناعة
لينبع فيها لوحةٌ للتواصُل
على دعوة التوحيد قام بناؤها
ومنهلها القرآن خير المناهِل
مآذنها تُعطي دليلَ انتمائها
وكم تسقط الدعوى أمام الدّلائل
يزفُّ تحايا النور مهبطُ وحيها
كما زفّ بشرى الخير غيثُ الهواطل
بخدمة بيت الله يسمو ولاتُها
ويسمو بها شعبٌ كريمُ التَّواصُل
بلادٌ كتابُ الله لملمَ شمْلها
كما لملَمَ العسّالُ شمل المَناحِلِ
السرّ العظيم الذي أكده كل باحث ودارس لبقاء هذا الوطن قويًّا صلبًا عصيًّا على الطامعين هو هذه اللحمة الوطنية التي تجمع القيادة بالشعب. وسر هذه اللحمة أن هذه الدولة وهذه الأسرة (آل سعود) دستورهم كتاب الله، هذا الكتاب الذي تُطبِّق مواد حكمه على الجميع، الحاكم والمحكوم؛ فالجميع أمام أحكام الله سواء، وهذا ما يشدد عليه قادة هذه البلاد في كل مناسبة.
قدرنا في هذه البلاد التفرُّد في كل شيء، وهذه مسؤولية كبرى، وحِمل ثقيل؛ فبلادنا حاضنة للحرمين، مقيمة لشرع الله، قدوة في كل ما يتعلق بهذا الدين العظيم؛ كونها مهبط الوحي وقِبلة المسلمين.. وهذه مسؤولية جسيمة، وأمانة عظيمة، لا يقوى عليها إلا أولو العزم من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. فهذا الشرف اضطلع به الملك المؤسس ومن بعده أبناؤه الملوك (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله)، واليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، شرف عظيم ومسؤولية عظيمة، نسأل الله أن يعين خادم الحرمين وولي عهده على القيام بها.
حفظ الله وطننا شامخاً عزيزاً منتصراً على كل باغ ومعتدٍ، ونحن على العهد باقون صفاً واحداً خلف قائد مسيرتنا.
والحمد لله رب العالمين.