محمد سليمان العنقري
يزداد الخلاف بين الرئيس ترمب ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي منذ فترة، حيث يرغب ترمب بخفض كبير بأسعار الفائدة بينما للبنك الفيدرالي وجهة نظر مختلفة مبنية على معايير السوق واحتياجات الاقتصاد الفعلية، أما الرئيس الأميركي فهو ينظر لهذا الإجراء من باب دعم شعبيته بالمقام الأول إذ لم يتبق سوى عام وتبدأ الانتخابات الرئاسية وهو يطمح لولاية ثانية ويعتبر الاقتصاد أهم ملف يؤثر بقرار الناخب الأميركي.
لكن ما يطالب به الرئيس ترمب يعد تدخلاً غير مسبوق بقرارات البنك المركزي الذي مازال يرفض هذه التدخلات ولا يعيرها أي اهتمام لأن الأنظمة والقوانين تحدد العلاقة بين الحكومة والبنك المركزي، إلا أن عودة خفض أسعار الفائدة بأميركا لاتعد مؤشراً جيداً بكل الأحوال فهي تعني بالمقام الأول استباق ضغوط اقتصادية وتحديات تخفض من النمو قادمة بالمستقبل القريب هكذا على الأقل تقرأ الأسواق هذا التوجه، بينما يعتبر ترمب أن ذلك يعزز من الاقتراض بتكلفة منخفضة وهذا بدوره يزيد النشاط الاقتصادي بل يوجه بين فترة وأخرى نقده للفيدرالي الأميركي على تأخرهم بخفض الفائدة ويطلب منهم أن ينظروا لدول منافسة كيف تخفض عملتها مما يعطيها ميزة تنافسية بالتصدير.
فرغبة الرئيس ترمب بدولار ضعيف هي مخاطرة كبيرة لها تبعات لا يستهان بها، سيمتد أثرها للاقتصاد العالمي لأن الدول الكبرى تحديداً ستدخل مع أميركا بحرب عملات وهذا سيعني تدميراً لاقتصادات دول ناشئة تعوم عملتها وكذلك الدول الفقيرة، أي أن البحث عن مكاسب مؤقتة بأضعاف قسري للدولار سيكون له تبعات كارثية على العالم ستنسيه الحرب التجارية التي يعد أثرها بسيطاً قياساً بأثر حرب العملات لو تصاعدت، فأميركا يمثل الدولار ركيزة قوتها فهو عملة الاحتياط الأولى بالعالم وكل السلع يتم تقييمها بالدولار وجل التعاملات التجارية دولياً بالعملة الأميركية وهذا ما يجعلها محمية لكن إذا بدأت أميركا بحرب عملات وخفض قيمة الدولار فإن دولا عديدة ستتوسع بوتيرة عالية بالبحث عن رفع نسبة بدائل الدولار في تعاملاتهم التجارية وكذلك الاحتياطيات النقدية بهدف البحث عن الاستقرار لاقتصادياتهم.
أميركا باتت رهينة دولارها مثل ما يعد هو مفتاح قوتها وهيمنتها الاقتصادية لكن ارتكاب أخطاء استراتيجية لأجل مكاسب قصيرة سيكون ثمنه باهظاً جداً وقد يكون ذلك الثمن مكانة أميركا وترتيبها بالاقتصاد العالمي حيث ستفقد المركز الأول وتبدأ بالانحدار لسنوات طويلة فهذا ما يقوله التاريخ إن كل إمبراطورية ظهرت فقدت قوتها وتلاشت بسبب أخطاء لم تقدر عواقبها بدقة فكانت النتيجة انهيارها وبزوغ إمبراطوريات جديدة.