مها محمد الشريف
من مقدمة كتاب السلام غير المحبذ قال «غالبريث»: «إن السلام جامد يمنح المجتمعات الإنسانية استقرارًا أشبه ما يكون باستقرار الصخور، وهو سلام خارج عن كل حياة». في الحقيقة، الكتاب يحمل للسلام العديد من المصطلحات لمجموعة مفكرين أمريكيين، جعلوا للسلام أوصافًا عدة، سأنقل لكم جزءا منها:
- لقد ابتعد السلام عن مكانه الذي حددته له الحرب في السابق، وأصبح يتعايش معها، بل يتغذى منها، وأحيانًا يأخذ مكانها. ما معنى أن يقال عن الحروب ما بعد الحرب العالمية الكبرى «بالحرب الباردة»؟ ما معنى أن توصف مرحلة الحرب الباردة بأنها مرحلة السلام المستحيل؟ إن الجميع يدرك اليوم أن القتال المسلح لا يكون فقط بالقذائف أو الطائرات، ولا هو المجابهة بين جيشين بالذخيرة الحية. إن الحرب الاقتصادية أو الحرب التجارية هي نوع من القتال رغم كونها تجري تحت يافطات السلام.
من هنا نورد الأمن والاستقرار الذي تعيشه مملكتنا مع قائد نهضتنا ورجل السلام الحقيقي في العالم الملك سلمان - أطال الله في عمره - بعمله الدؤوب من أجل معنى للحياة الآمنة لمنطقة الشرق الأوسط والعالم، وليس للمملكة فحسب. لقد عمل كثيرًا، ولعب دورًا كبيرًا في إحلال السلام بدلاً من الحرب، والجميع دون استثناء يدرك ذلك.
فمنذ عام 2016 كتبت عن زيارات وجهود خادم الحرمين الشريفين للدول، والمساعدات الكبيرة التي تقدمها المملكة، والأبعاد المؤثرة لهذه السياسة الحكيمة؛ فقد صنعت عملاً اجتماعيًّا سياسيًّا واقتصاديًّا كبيرًا لغرض تطوير الحياة ومراحل النمو وأساليب الاستجابة لقواعد السلام.
وليس بمستغرب هذا الفكر والحنكة السياسية؛ فقد أدرك العرب العلم، وعملوا به قبل الغرب، واكتشفوا المنازل الثمانية والعشرين قبل الإسلام، وعلم الفضاء والفلك والأنواء، والتجارة والسياسة، وبرع فيها العرب، وبلغوا مبلغًا كبيرًا؛ وهو ما حفز ابن الرشيق إلى القول: «إن العرب أعلم الناس بمنازل القمر والنجوم». وأضيف عليها بالتجارة والاستثمار، فما بالكم بسلام يجمع الأمم والدول، عملت السياسة السعودية عليه منذ تأسيسها؟
فمنذ زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر في عام 2016 التي وجدت صدى واسعًا في العالم لعظم الدولتين؛ كونهما تمثلان استقرار الأمة العربية، وركيزتَي هذه الأمة، ونحن ندرك أن السلام ركيزة مهمة، الكل يعمل له. ووصول خادم الحرمين الشريفين إلى مصر يعتبر أول زيارة رسمية في ذلك التاريخ للملك المفدى، وعقد قمة كانت مرتقبة، أعقبها توقيع اتفاقيات مهمة.
كانت الزيارة في خضم الالتزام بقضايا العصر، ووعي المسؤولية إزاء الآخرين، وجمع كلمة العرب والمسلمين ضد المنظمات والدول التي ترغب في إحداث فُرقة وبلبلة بين الأشقاء، وتبعات خطرة، فرضت الحذر من التحدي الإيراني، وسيطرته على أربع عواصم عربية. وقد صرح العديد من مسؤولي النظام الإيراني بأن طهران نجحت بتصدير ثورتها إلى دول المنطقة، ومستمرة بزيادة نفوذها.
فالأمة العربية تعاني تحديات كبيرة، منها الإرهاب، وإيران وإسرائيل ضليعتان فيه، لكن التحدي الإيراني بلغ به الأمر أنه أعلن العداء للعرب، وتناغمت تصريحات وزير الاستخبارات الإيراني السابق حيدر مصلحي مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.
وقد نشأ عن هذا العداء إرهاب منظَّم ضد الدول العربية؛ فالمعرفة بهذا الشأن ليست حديثة عهد، وإنما قديمة، والمملكة تعمل على ترجيح الموقف العقلاني، وبجهود موحدة لمحاربة الإرهاب تتحالف الأمم، وتعمّق الترابط الأخوي بين المملكة ومصر، ووجود المنزلة العليا من المفاهيم التاريخية في هذه العلاقة منذ عام 1926 إلى يومنا هذا، وبالزيارة الملكية، ومواصلة التعاون السياسي والاقتصادي، وتوقيع عدد من الاتفاقيات، وتأسيس شركات سعودية جديدة في مصر برأسمال أربعة مليارات دولار، ستعمل في مشاريع ضمن محور تنمية قناة السويس، وأيضًا في مجالات الطاقة والاستيراد والتصدير، وتأهيل الكوادر الطبية المصرية، وفي المجالات الزراعية والحيوانية. والاستثمارات السعودية الجديدة تقدر كثيرًا جهود مصر في تحسين البيئة الاستثمارية لجذب مزيد من الاستثمار السعودي كنتيجة فعلية للتعاون بين البلدين.
وهناك ركن آخر من أركان الزيارة، هو تعزيز الاستقرار في المنطقة العربية، والاستقرار في البنية الاجتماعية؛ فالتاريخ مشترك بين الشعبين المصري والسعودي، وله سمة رئيسية في تفسير العلاقات بين الدولتين؛ فالوصف الدقيق للعلاقة، والأبعاد المؤثرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مهم جدًّا.
إن المفاهيم لهذه السياسة واضحة ومتطابقة مع الأهداف مهما كانت المستجدات. وتلك الإدارة العميقة مستمدة من تحمُّل المسؤوليات القديمة والجديدة، سواء كانت الزيارة قبل ثلاث سنوات أو جديدة؛ فقد أوردتُها لضرب مثال حي، يتجدد، وله دور أساسي في فهم المسيرة والخلاصة الموضوعية لمقدار الجهد المبذول من أجل السلام الدائم للدول العربية والإسلامية، وللعالم كله.