ماجد بن حسين الفيفي
جرت العادة عند ظهور اختلاف في نقاش موضوع أو تحليل قضية أو تفكيك مسألة وجود إحالات خطابية إلى شيء غير متفق على ماهيته قبل أن تكون هناك قناة تواصليّة بين طرفين.
ولو أخذنا على سبيل المثال قضية خلافية امتدّ أوارها زمناً -طال أو قصر-، سنلمس في تضاعيف خطاب أطرافها تباعداً يرتهن لزاوية الرؤية، فتعليم المرأة قديماً وقيادتها السيارة حديثاً أنموذجان مثاليان لهذا التباين الذي تختلط فيه التصورات بين دين وعرف وقناعة شخصية. وعلى هذه التصورات المتباينة في إمداد الخطاب بالأفكار تأسّس فكر الدفع وعدم القبول، وشُيّدتْ الرؤى المتهافتة، وانخرطت قطعان الغوغاء تحت عباءتها.
أنا هنا لست مأخوذاً بتفاصيل تلك القضايا، وهي مجرد أمثلة جرت على البال من اعتلالات الذاكرة، وكل ما أتجه إليه في حديثي ينصبّ على مركز الخلاف في الفكر المنطوق، فعراقيل التفكير خفيّة، هي ليست جليّة كعراقيل الكلام، والمفكر نفسه قد يقع في هذه العراقيل حينما يستلّ أحكامه وهو في حال رجراجة تتماهى فيها الموضوعية مع الميل والهوى.
وحتى نتجاوز البداية الخاطئة -والبدايات كما نعلم تؤسس الخطاب وتمهّد له- نحن بحاجة إلى تأصيل الفكرة وتحديد منحى النقاش؛ تحرّزاً من الانسدادات المتوقّعة لقناة الاتصال، وما نراه في بعض البرامج التلفزيونية من نقاشات رثّة تُفضي إلى واقعة اشتباك لفظي شتماً وتقريعاً، وقد تمتد إلى تمزيق السترات أحياناً، هي في الواقع حالة انسداد تام لهذه القناة التواصلية، نتيجة امتطاء العرف للدين، واصطدام المنطق بالهوى.
نعم نحن نودّ أن نكون على حق دائماً، ولا ضير في ذلك، ولكن الحق لا يقوّض حقاً، والحوار الموضوعي لم يكن منذ عهد الغابرين إلى عهدنا يستهدف الغلبة والنصر، بل يتعاور الإيضاح والإصابة، ويتقصّى أثرهما، فكان تأصيل الفكرة طوق نجاة لمحور النقاش، لأن الأفكار الخلاقة في منطوق المفكر الحصيف تدافع عن نفسها وتقوم بفعلها التأثيري، برغم أنها تُعرض على المتلقي فحسب ولا تجبره على الاقتناع.
خاتمة
تأصيلُ الفكرة مرتكزٌ حواريٌ، يغلق كافة التقاطعات، ويقرّب زاوية الرؤية بين طرفي الحوار.