التفكير هو الجزء الأساس من الوعي الذي يميز الإنسان عن سائر الكائنات. والتجربة الإنسانية المتراكمة عبر آلاف السنين، تتطلب أن يكون التفكير ممنهجاً. فالفرد اليافع يتتلمذ أولاً في المدرسة ليستوعب أساسيات التجربة البشرية السابقة لعصره، ثم يتحول إلى طالب علم في الجامعة، أي أنه يبدأ بتكوين منهج لاستكمال التجربة الإنسانية في اختصاص ما. وقد يبدع ويضيف إلى التجربة الإنسانية تلك، شريطة أن منهجيته في التفكير حرّة وليست مبنية على «سياق واحد».
السياق الواحد هو كما سكة الحديد، تقودك دائماً إلى نفس النقطة. فعندما يكون سياقك في التفكير هو «من ليس لديه قرش، لا يساوي قرشاً».. سيشل هذا السياق منهجيتك في التعامل مع ماضيك وحاضرك ومستقبلك!. وقد تسرق أو تختلس أو ترتكب أيّ جريمة؛ بما في ذلك القتل؛ ليكون القرش لك وليس لأخيك!.
لو افترضنا أنكما أنت وأخوك تمتلكان ذلك القرش، واتفقتما على أن يكون ربعه لأخيك وثلاثة أرباعه لك، بشرط أن «تعملا سوياً» على أن يتضاعف إلى قرشين ثم إلى أربعة قروش فثمانية... إلخ، تكون بذلك قد تعاملت «بمنهجية» وليس «بسياق».
لا أقصد بهذا الطرح أن المنهج واحد لدى كل البشر. فلكل منهجه المبني على ما تلقفه من التجربة الإنسانية، بالإضافة لتجربته الفردية، ولكن المنهجية مهما تعددت ليست قابلة للثبات!. لا بدّ أن يكون منهج التفكير حراً ومرناً؛ أي يستكمل ويتطور؛ وإن تطلب الأمر يتغير، وإلا فمصيره أن يتحول إلى سياق!.
العبيد لا يجوز لهم التفكير بمنهجية، أما الأسياد فهم يفكرون بسياق واحد حتى يستكمل طاقته؛ ولم يعد قادراً على «زيادة ثرواتهم»؛ ثم يتحولون مجبرين إلى «سياق آخر»؛ يفتح لهم الأبواب لاستعباد من نوع جديد، يكون قادراً على الاستمرار في تنمية ثرواتهم.
لقد تحول السياق العبودي إلى إقطاع؛ ثم تحول الإقطاعيون إلى رأسماليين؛ يمتلكون الأرض ومن عليها. ويستخدمون شتى أنواع المكر والخداع والغدر للحفاظ على كروشهم ممتلئة. ولكن هذا السياق الرأسمالي بدأ يختنق، ولا يوجد في الأفق «سياق بديل» يبقي على العبودية!. لا يوجد إلا سبيل واحد للخروج من هذه الأزمات التي تعصف بالحياة كلها على الأرض؛ ألا وهو التحوّل «المنهجي» من تحكم الثروة بالتفكير إلى تحكم التفكير بالثروة.
** **
د. عادل العلي