د. عبدالحق عزوزي
التقارير الدولية الحديثة حول المناخ مخيفة وتبعث على القلق الشديد، فهي كلها تعطي صورة قاتمة عن الوضع الناجم عن تقاعس الدول عن تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة... ففي تقرير أخير نشرته الأمم المتحدة عشية قمة في نيويورك لمناقشة تغير المناخ، نقرأ أن السنوات الخمس الأخيرة من 2015 إلى 2019 شكلت الفترة الأشد حرًا منذ البدء بتدوين درجات الحرارة في السجلات بشكل منهجي. وبالاستناد إلى بيانات أولية، يرجح العلماء أن يبلغ تركز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستويات قياسية جديدة في نهاية العام 2019. وتوقع العلماء أن يكون متوسط الحرارة للفترة 2015 - 2019 أعلى بـ1.1 درجة مئوية بالمقارنة مع ذلك الذي كان سائدًا في الفترة 1850 - 1900، بحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الذي يتضمّن أحدث البيانات بشأن حرارة الأرض. وتختلف آثار هذا الاحترار باختلاف المناطق، فالحرارة ترتفع في القطبين بوتيرة أسرع، كما أن المناطق الساحلية هي الأكثر عرضة لتداعيات هذه الظاهرة. كما أن بعض البلدان ستعاني من تداعيات الاحترار المناخي، كموجات الحر والفيضانات، أكثر من غيرها.
وتشير تلكم التقارير إلى أن وتيرة ارتفاع مستوى المحيطات قد ازداد، وارتفع هذا المستوى في العقد الأخير إلى 4 ميليمترات في السنة بدلاً من ثلاثة، بسبب الذوبان المتسارع للغطاء الجليدي في القطبين الشمالي والجنوبي الذي تمّ تأكيده في دراسات عدّة واستنادًا إلى بيانات الأقمار الاصطناعية.
وازدادت الانبعاثات الناجمة عن استخدام الفحم والنفط والغاز سنة 2018 ومن المتوقّع أن تواصل ارتفاعها حتّى عام 2030 على الأقلّ. ويتوقّع أن تكون في 2019 «مرتفعة بالقدر عينه إن لم يكن أكثر» من المستويات المسجّلة في 2018، بحسب العلماء.
وبالاستناد إلى بيانات أولية، يرجّح العلماء أن يبلغ تركّز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستويات قياسية جديدة في نهاية عام 2019. وفي سبيل حصر ارتفاع الحرارة بـ 1.5 درجة مئوية، كما هو منصوص عليه في اتفاق باريس من أجل المناخ، وهو هدف يرى الكثير من الخبراء أن بلوغه بات مستبعدًا، بل مستحيلاً، لا بدّ من تكثيف جهود الحدّ من الانبعاثات الكربونية خمسة أضعاف، أو ثلاثة على الأقل كي لا يزيد الاحترار عن درجتين مئويتين. وقد يكون الاحترار في الواقع أشدّ من المتوقّع، بالاستناد إلى أحدث نماذج المحاكاة المناخية التي لم تعتمدها بعد الأمم المتحدة. وبحسب أحد السيناريوهات، قد ترتفع الحرارة 7 درجات مئوية.
عالمنا الأرضي ليس إذن بخير. هذا الكون الجميل الذي خلقه الله بإبداعه وقدرته وملكوته وجعل فيه كل شيء يمشي بمقدار، أضحى عرضة لأشرس هجوم بشري بصناعاته ولا عقلانيته وشجعه اللا متناهي وأنانيته. العلماء من كل القارات يؤكدون اليوم أن أية زيادة متوقعة على درجتين مئويتين كحد أقصى لارتفاع درجات الحرارة بالكرة الأرضية عن النسبة الأصلية سيهلك الحرث والنسل، وستشكل كارثة عاتية على البيئة والاقتصاد. فأكبر تهديد خطير قد نتركه للأجيال المقبلة هو التغيير المناخي الذي قد يخلف من ورائه عواصف وعقودًا عجافًا شدادًا من الجفاف، وفيضانات وموجات حرارية شديدة وانتشارًا للأوبئة وندرة للمياه مع ما سيتبع كل ذلك من هجرات لا متناهية للبشر. وتتشكل ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب كثافة الانبعاثات الكربونية في الهواء، التي تؤدي إلى منع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الفضاء الخارجي مما يسبب ارتفاعًا في درجة الحرارة، لذا يتم الإلحاح على ضرورة تعميم امتلاك التكنولوجيا والطاقات المتجددة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون...
الجشع والربح السريع، يجعل الدول لا تبحث إلا عن الإنتاجية والمردودية السريعة بأي ثمن. وإذا رأيتم المنتوجات الصينية توجد في كل أنحاء المعمورة، يمكنك أن تفهم لماذا هاته الدولة لوحدها هي مسؤولة عن ربع الانبعاثات الكربونية في العالم بنسبة 25.3 في المائة، وإذا وجدت أن المنتوجات الأمريكية هي أيضًا موجودة في السوق العالمية فلا عجب إذا علمت أنها مسؤولة بـ14.3 في المائة، ولا عجب أيضًا أن نجد الدول تتنصل من المسؤوليات القانونية التي أخذتها على عاتقها وبالأخص في قمة باريس، إِذ لم تعد ملزمة في نظام عالمي لا تنظر دوله الكبرى بنظارات مصلحة الأجيال ولكن بنظارات المصالح الضيقة والآنية؛ وهنا الطامة الكبرى.