م. خالد إبراهيم الحجي
إن الابتكارات الحربية والاختراعات العسكرية هي تطبيقات عملية للخيال العلمي السابق أو الأفكار الإبداعية التي تنتجها مراكز البحوث العلمية والتطوير العسكري والتصنيع الحربي، وتظهر على أرض الواقع، وتترجم إلى الأجهزة والمعدات التكنولوجية الحديثة التي تُسهم في رفع كفاءات الوحدات الحربية وتُحسَّن الأداء العسكري، وتقدم حلولاً عملية أفضل تلبي احتياجات المنظومة العسكرية الشاملة، وتساعد في تقدمها وتطورها.. ويقوم على إنتاج التكنولوجيا الحربية والعسكرية فريق عمل متكامل، وفق برامج طويلة الأمد لتحقيق أهدافها المرسومة، ويتم تمويلها والصرف عليها من مصادر مالية لا تواجه مشاكل العجز أو التقصير؛ لأنها تكون مرصودة ومعتمدة من قبل حكومات الدول ضمن ميزانيات القطاعات العسكرية الضخمة، والتكنولوجيا العسكرية الناتجة منها تعد القوة الدافعة وراء التسليح، كما أن أثرها كبير جداً في تقدم التنمية وتطوير الاقتصاد الوطني.. وعلى الرغم من أن الأولويات لمراكز البحوث العلمية والتطوير العسكري والتصنيع الحربي مخصصة دائماً للمجالات التي تخدم الإستراتيجيات العسكرية وتحقق أهدافها المرسومة، إلا أنها ترحب بمشاركات القطاعات المدنية، وتشجعها وتدعمها لتستفيد من التكنولوجيا الحربية والعسكرية التي يُسمح بها بعد أن تُرفع عنها السرية والحظر.. ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي تقوم به مراكز البحوث العلمية والتطوير العسكري والتصنيع الحربي في تحقيق قوة الترابط، وتفعيل التكامل بين التكنولوحيا الحربية والعسكرية من جهة، وبين التكنولوجيا التي تخدم القطاعات المدنية من جهة أخرى.. وتوافر التكنولوجيا العسكرية في متناول اليد للقطاعات المدنية فتح الأبواب المغلقة أمام مؤسسات وشركات القطاع الخاص للاستثمار التجاري في مجالات تطويع التكنولوجيا الحربية والعسكرية، وتكييفها وتطويرها إلى منتجات مدنية تجارية مناسبة، وحظي هذا التعاون والتعاضد والتكاتف بين القطاعات العسكرية والقطاعات المدنية بدعم كبير من حكومات الدول المتقدمة التي وضعت التكنولوجيا المدنية المستمدة من التكنولوجيا العسكرية ضمن خطط التنمية القومية للتقدم والازدهار باستمرار..
وذلك على العكس من إنتاج التكنولوجيا المدنية التي تتوقف على الجهود الفردية، وتوافر الأموال الاستثمارية من القطاع الخاص، لتتبناها المؤسسات والشركات الخاصة وتحولها إلى تطبيقات عملية، واختراعات تجارية، ولكن رؤوس الأموال الجبانة التي تتفادى المخاطرة وتخشى المجازفة تقف حجر عثرة أمامها، ويؤدي إلى تأخيرها، أو تعثرها، أو صرف النظر عنها، بسبب تردد وخوف أصحاب رؤوس الأموال من خطر الخسارة أو الفشل.. ولذلك سارع القطاع الخاص إلى تبني الابتكارات والاختراعات التي أنتجتها التكنولوجيا الحربية والعسكرية، وحولها إلى صناعات كبرى تزدهر باستمرار وتخدم القطاعات المدنية وفيما يلي أمثلة منها:
(1): الحواسيب والتكنولوجيا الرقمية التي يعود الفضل في تطويرها إلى البحرية الأمريكية باختراع حاسوب صغير الحجم موديل (توربيدو) لاستخدامة على متن الغواصات، لحل مشكلة إطلاق الطوربيدات على أهداف متحركة. ولا يخفى على أحد الآن استخدامها في جميع المجالات الشخصية والمدنية.
(2) الطاقة النووية التي أسستها البحرية الأمريكية العسكرية، وأنتجتها في المفاعل النووي (إس. ون. دبليو)، واستخدمته في تزويد الغواصات وحاملات الطائرات بالطاقة الكهربائية. ثم تعممت وانتشرت وأصبحت تستخدم في الأغراض السلمية، مثل: الطب النووي باستخدام النظائر المشعة في تحديد كثير من الأمراض وطرق علاجها، وفي طرق التهجين الزراعي، ويوجد اليوم أكثر من 400 مفاعل نووي في إنحاء دول العالم لإنتاج الطاقة الكهربائية.
(3) الأقمار الصناعية الفضائية التي أطلقتها القوات الجوية للاتحاد السوفيتي في إطار برنامج سبوتنك، وحملت بداخلها الكلب لايكا أول كائن حي إلى المدار الخارجي حول الأرض. والآن تستخدم في إرسال الفضائيات والاستطلاع وتحديد المواقع والاتصالات الحديثة.
(4): منتجات الأمن المدني التي تأسست في البداية من كتائب المهندسين العسكرية التي تقوم بنصب الأشراك الخداعية ضد العدو، وزراعة وإزالة حقول الألغام في أراضي المعارك. واليوم تطورت أساليبها ومعداتها إلى أجهزة وعربات تكشف المتفجرات، والسيارات المفخخة في القطاعات الصناعية والمدنية، ثم تبعها بعد ذلك كاميرات المراقبة والبوابات الأمنية التي أصبحت تستخدم في المنازل وجميع مجالات الحياة المدنية.
(5): اكتشف إلكساندر فليمنج الذي كان برتبة نقيب في الجيش البريطاني، مادة تمنع نمو البكتريا سميت لاحقاً بالبنسلين ثبت نجاحها في علاج تعفن الدم في جروح الجنود المصابين خلال الحرب العالمية الثانية.. واليوم يتم إنتاج البنسلين على نطاق واسع ويستخدم في جميع المستشفيات.
الخلاصة:
يجب الاستفادة من مراكز البحوث العلمية والتطوير العسكري والتصنيع الحربي واستخدام التكنولوجيا التي تنتجها، وتوظيفها في خدمة مجالات الحياة المدنية.