فيصل خالد الخديدي
نقد الذات، وتقويم سلوكها بين فترة وأخرى، مدعاة للتطور والتطلع للوصول إلى الأفضل، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمع وسلوكياته، ومحفزة لأن يكون اليوم أفضل من الأمس، والغد أفضل من اليوم. والفنان بطبعه ناقد لسلوكيات مجتمعه، ومتطلع للأفضل، ولاكتمال الجَمال. ونقد الذات بقصد التطوير والتحفيز مطلبٌ، وعملية مهمة على جميع المستويات للوصول إلى الأفضل، والحث على تدارك الأخطاء السابقة، وعدم الوقوع فيها، وإيجاد الحلول الأفضل والمناسبة للأشخاص وبيئاتهم، والمذللة للصعاب والمتجاوزة للعقبات.. ونقد الذات بقصد تقويمها وتعديل مسارها أمرٌ إيجابي، ويتطلب الكثير من الخطوات الإيجابية التي تلحق بها؛ ليصل الإنسان للتطوير المطلوب منه، والممكن له، سواء بشكل ذاتي، أو بشكل مجتمعي. ونقد الذات الشخصية أو المجتمعية إن لم يصاحبه منطقية وعقلانية وإيجابية وحلول بديلة للواقع فهو لا يتعدى أن يكون جَلْدًا للذات بتذمر دون فعل إيجابي أو تفاؤل وواقعية لما يمكن أن يصل إليه بعد نقد الذات من تقويم لها، وحلول إبداعية لتطويرها، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
وابتُلي المجتمع التشكيلي المحلي بعدد من الأصوات المحبطة المثبطة التي امتهنت جَلْد الذات، والتذمر، وتحطيم المجتمع الفني، والتقليل من الممارسة الفنية بجميع أطيافها، والتشكيك في كل منجز من باب أن ليس لدينا فن ولا فنانون ولا نقد ولا حتى أي حراك تشكيلي يُذكر، وأن مجتمعنا الفني لا يرجى برؤه مما فيه, وكل الناس أدعياء، وكل الفنانين مقلدون.. والكثير من عبارات التذمر والتقليل، يطلقونها من ذواتهم المهشمة بقصد التقليل والتحطيم لكل من هم حولهم، تارة باسم الغيرة على منجزات أبناء الوطن، وتارة باسم نقد الذات، وأخرى الحرص على الصالح العام.. وجمعيها عبارات واهية، لا تتعدى أن تكون سلبية يعيشونها، ولا يرغبون في أن ينعم أحد بأي إنجاز، ولا يتقدم أي شخص في مجاله. وهذا لا يعني أن تركن الساحة لمثل هؤلاء المحبطين، وفي الوقت ذاته لا يعني ذلك أن صوت النقد المحفز الحقيقي غير موجود أو غير مهم؛ فالنقد شريك في تطوير الساحة، وبوصلة تساعد لتحديد المسار الصحيح والأصح بعيدًا عن الإحباط والأصوات النشاز التي تهدم أكثر مما تبني باسم جَلْد الذات.