د. حمزة السالم
المقارنة التاريخية للأسعار باستخدام الذهب، ليست دقيقة على الإطلاق. فأعيرة الذهب متفاوتة، ونقاء السك وصفائه كذلك، فضلا عن عوامل العرض والطلب على الذهب المتغيرة.
ولكن بالمتوسط العريض نستطيع رسم صورة تقريبية لقاعدة منطقية البناء، عريضة التطبيق. فلذا نستطيع أن نقول إن سعر الغنم والإبل اليوم يقارب سعرها أيام عصر النبوة. فمن تتبع الأحاديث النبوية سيجد أن الشاة أيام النبوة كانت بدينارين ذهبيين، والدينار (4.25 غرام). وكان متوسط سعر البعير أوقية ذهب (أونصة، 28.35 غرامًا).
ولكن الأمر لا ينضبط لو أردنا تطبيق هذه القاعدة على جميع السلع. فعلى سبيل التمثيل، لو أردنا أن نقارن بين أسعار الدجاج قديما، وسعره اليوم باستخدام الذهب لوجدنا أن أسعاره قد انخفضت انخفاضًا شديدًا. وسبب ذلك هو دخول الآلة والتكنولوجيا في صناعة الدجاج، مما ضاعف إنتاجه أضعافًا كثيرة، فأرخصه لانخفاض كلفة إنتاجه وغزارتها.
فأسعار درزن البيض في أمريكا عام 1920م كانت 60 سنتا. وقيمة غرام الذهب 70 سنتا آنذاك. أي أن قيمة درزن البيض بغرام ذهب تقريبا. وأما أسعاره اليوم فهي في المتوسط 150 سنتا وقيمة غرام الذهب اليوم نحو 5000 سنت. وهذا يعني، أن سعر البيض عام 1920 أكثر من سعر البيض اليوم بـ 30 ضعفًا بمقياس الذهب. بينما أسعار لحم البقر عندهم لم تتغير منذ عام 1920 إذا قيست بالذهب، تماما كأسعار الغنم والإبل، لم تتغير منذ عصر النبوة بمقياس الذهب.
ولهذا يستخدم الاقتصاديون سلة من مجموعة سلع، من أجل قياس مستوى التضخم، ويجددون محتوياتها بتجدد احتياجات الناس عبر السنين.
هذا الارتفاع الكبير لقيم بعض السلع على حساب قيم سلع الأخرى، لم يبدأ إلا منذ أوائل القرن الماضي، وما ذاك إلا بسبب تأثير الآلة والتكنولوجيا على تعظيم الإنتاج. فالآلة والتكنولوجيا ضاعفت من إنتاج البيض أضعافًا عديدة ولكنها عجزت أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للبقر والغنم، فانخفض سعر البيض بينما ثبت سعر الغنم والبقر بالنسبة للذهب. وقس على هذا السلع كلها في إمكانية أثر الآلة والتكنولوجيا على زيادة إنتاجها.
والقوة الإنتاجية العالية للصناعة هي التي جعلت الربط بالذهب مستحيلا ومدمرا للنمو الاقتصادي العالمي. فما كان العالم ليستثمر في الآلة والتكنولوجيا لو كان الذهب هو عملة التبادل، لأن الذهب محدود وكمية الإنتاج بشكل عام للسلع تعاظمت أعظم بكثير من زيادة كميات الذهب مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع، التي تؤثر التكنولوجيا والآلة في إنتاجها، مما سيقضي على الاستثمار. فالمستثمر لا يستثمر إذا كان يرى أن قيمة استثماره تتضاءل مع الزمن. وبهذا أخرجت الصناعة السوق الذهب من النظام المالي، وحل محله نظامًا يطبع النقد بكميات متزايدة لتقابل زيادة الإنتاج، وكذلك تدفع بعملية الابتكار والاختراع لإيجاد سلع جديدة لا يزاحمها في أسعارها قلة السيولة النقدية التي كانت متوافرة بشح للسلع القديمة.